عندما يهل علينا شهر مارس من كل عام، نشعر جميعا بحالة من الدفء الأسرى والعائلى، حيث يجتمع الأبناء على فكرة واحدة وهى شراء هدية عيد الأم وتقديمها يوم 21 مارس، الذى ارتبط بالأذهان والقلوب والمشاعر بتلك العاطفة الربانية العظيمة التى تجمع الأم بأبنائها، ويكون هذا اليوم شاهدا على رد شىء من الجميل لتك الأم التى حملت وأنجبت وتحملت آلام الولادة والرضاعة والسهر وقت المرض، وتعليم أول الكلمات والأرقام، حتى يكبر الأبناء ولا تزال هى هى تحمل نفس الهموم والحمول، ويزداد قلقها وخوفها على فلذات أكبادها حتى بعد أن يصيروا رجالا أو نساء.
وفى هذا اليوم يعيش المجتمع المصرى بأكمله حالة الحب والعشق والوجد والألفة واللمة العائلية، ويسترجعون الذكريات وتخرج أجمل كلمات المدح والإطراء، لتكتمل فرحة الأمهات حتى ولو كانت ليوم واحد فى العام، حيث يعود الغائبون والمسافرون ويتبارى الجميع فى تقديم الهدية الأجمل، كى تفرح أمه وترضى عنه وتسعد به.
ونحن فى هذا اليوم نتذكر تضحيات أمهانتا، من أجل أن تكتمل سعادة الأسرة ويهنأ الجميع، دون أن تشكو يوما أو تتبرم ، أو تعلن عن تمردها، ولنا فى التاريخ الكثير من العبر والعظات، وها هو كتاب الله يذكرنا بأمهات عظيمات ،خلد ذكرهن المولى عز وجل فى القرآن الكريم ، فيسرد لنا قصة جميلة للأم خافت على وليدها أم موسى نبى الله وكليمه وصاحب رسالة التوراة، التى انفطر قلبها على رضيعها خوفا من بطش فرعون وأعوانه، فتسمع كلام ربها وتلقى به فى اليم، حتى يصير إلى قصر عدوه، ويصف القرآن الكريم مدى امتثالها لأمر الله ، وفى نفس الوقت خوفها على وليدها من الغرق فى الماء ومن التيه، حتى جمع الله شملهما مرة أخرى، وتربيه بين يدها فى قصر فرعون.
وها هى مريم البتول أم عيسى عليه السلام، يصفها كلام ربنا عز وجل وقت حملها ،ويظهر خوفها من قومها ومن تهمة الزنا، ويصف ربنا فترة حملها ويضع لنساء الأرض صورة مرئية لآلام الحامل وأوجاعها، وكيف تتغلب عليها وماذا تأكل، وكيف تحملت المواجهة الصعبة لقومها، حتى أنطق الله تعالى وليدها عيسى عليه السلام بالحق مدافعا عن أمه العذراء.
وها هى السيدة خديجة بنت خويلد زوجة النبى صلى الله عليه وسلم، التى وقفت إلى جوار زوجها، تؤازره وتشد من عضده وتدافع عنه، و أنجبت له أجمل العقود والنفائس والذخائر، رقية وأم كلثوم زوجتا ذو النورين عثمان بن عفان، وفاطمة الزهراء زوجة الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنهم أجمعين.
والأمثلة كثيرة لأم مات زوجها أو غاب عنها أو طلقها ، فقامت بدور الأم ووضعت أبناءها بين عينيها، وشقت عن صدرها ووضعتهم فيه والتحفت عليهم برمشيها، وقامت بدور الرجل وحملتهم بسواعدها، حتى أوصلتهم إلى بر الأمان، وعلمتهم طريق النجاح والفلاح، وضربت المثل فى العطاء والتفانى والإخلاص، حتى استحقت أن تكون الجنة تحت أقدامها، واستحقت تكريم الإسلام لها، بأن وصى عليها النبى الكريم فى حديثه الشريف ،عندما سأله أحد أصحابه " من أحق الناس بحسن صحابتى؟ فقال صلى الله عليه وسلم :أمك. فقال الرجل ثم من؟ قال :أمك؟ فقال: ثم من؟ قال: أمك .فقال: ثم من؟ قال: أمك. فقال: ثم من؟ قال: "أبوك"، كما أمر الله سبحانه وتعالى بالبر بها هى والأب فى قوله تعالى "وصينا الإنسان بوالديه"، وأمر المؤمنين بالدعاء لهما فقال تعالى "وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا".
وفى هذا العام تجىء هذه المناسبة فى وقت يقدم الجميع فيه الهدية التى لم تحلم بها أم فقد غابت عنها سنين طويلة ولم يقدمها لها أحد، تلك الهدية الغالية هى " تاج الحرية " الذى زين رأس الأم الكبرى مصرنا الحبيبة، حيث نسى الجميع أمه الصغرى، وتذكر فقط الوطن والأرض والتراب والزرع والهواء والنهر والعطاء، ووقف على قدميه ليقدم لأمه مصر التحية والهدية، بعدما قام أبناء الوطن على قلب رجل واحد، يردون الجميل ويخلصون ترابها من المستعبدين والأشرار والفاسدين، ويحيوا الأمل فى قلبها ويضخوا الدماء فى شرايينها، ويجرى ماء النيل طاهرا يروى جنباتها، لتنبت زرعا أخضر يانع يطعم أهلها ويكفيهم الجوع والفقر وذل العوز والحاجة وقهر السؤال.
واليوم ونحن نحتفل بهديتنا إلى مصرنا الحبيبة، وبثورة شعبها المباركة، لا يجب أبدا أن ننسى أمهاتنا جميعا، أمهات شهداء ثورة مصر العظيمة، التى حركت قلوب العالم، وأزالت الخوف من الصدور، وأعادت للعقول حكمتها، وأزالت عنها حالة الجهل والمرض والتيه والضياع.
فيجب علينا اليوم ونحن نحتفل بعيد الأم، أن نقدم هدية خاصة لأمهات شهداء الثورة، أولئك الشباب الذى ضحى بنفسه وبحياته فداءا لبلده، كى ينعم بالحرية، ويبنى آماله فى المستقبل ، وتحيا أجياله عهدا وزمنا لا ترى فيه القهر والذل والإهانة، والجدب الفكرى والعقلى.
فيجب ألا ننسى أمهات هؤلاء الشهداء فى يوم عيد الأم ، ولنقدم لكل واحدة منهن هديتها التى كان من المفترض أن يقدمها لها إبنها، وكانت ستفرح به وتضمه إلى صدرها، فرحا وطربا به وبما قدم لها.
ونقول لها غردى أم الشهيد، افرحى سيدة نساء مصر، هللى سيدة مصر الأولى، وصاحبة العصمة والشرف والكرامة ، فأنت فوق الرؤوس وتاجنا الذى نفخر به، وابنك البطل الشهيد ينعم بالجنة، وينتظر يوما يشفع لك فيه ،ويقول لربه ها هى أمى التى حملتنى وأنجبتنى وربتنى وعلمتنى وأوصلتنى إلى منزلة الشهداء، فاجعلها ربى إلى جوارى فى الجنة، وهذه هى أجمل هدية قد تنتظرك يا أم الشهيد.
فأعلى من زغاريدك، واسمعى الأهل والجيران، ولا تحزنى على فراق الشهيد، " فإن غدا لناظره قريب".
"غردى أم الشهيد" هدية عيد الأم لأمهات شهداء ثورة 25 يناير
الأحد، 20 مارس 2011 11:59 ص
أم وطفلتها
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة