الحرية تعنى المسئولية، ولهذا يخافها معظم الناس.. هكذا قال برنارد شو، لذلك خرجت نكتة مسخرة تناقلناها على المحمول (إيه الربكة ووجع الدماغ ده يوم السبت هنقول آه ولا لا ولا نطنش الواحد تايه ومتعصب وخايف، الله يرحم أيامك يا (سونة) مكنتش مشيلنا هم وكنت بتخلص كل حاجه مع نفسك سكيتى).. ويحكى أن فى أحد استفتاءات بقاء الرئيس المتعددة ذهب رجل وعلم على خانة.
"لا".. فلما عرفت زوجته صرخت فيه (أنت هتخرب بيتنا.. أكيد صوروك وعرفوا ورقتك وهيسلخونا أنا وأنت والعيال).. فعاد الرجل مسرعاً إلى اللجنة الانتخابية وطلب من المشرف أن يسترد ورقته بسرعة، لأنه يريد أن يغيرها ويقول نعم بدلاً من لا.. فنظر له المشرف فى غضب وأمسكه من أذنه وهو يقول (صححناهالك من بدرى بس المرة الجاية ركز ومتغلطش تانى) لذلك نشعر بفرحة غير طبيعية، لأنه أول استفتاء حقيقى يشهده المصريين على اختلاف أعمارهم.. كل الانتخابات والاستفتاءات السابقة كانت (بتتصحح) لتصل نسبة التأييد إلى 99.9% ويستمر الرئيس فى كليات القمة ويستمر الشعب نحو الأمية والجوع والفشل.. لحظة تاريخية نادرة سوف نعيشها جميعاً يوم السبت القادم بين من يقولون نعم ومن يقولون لا..
أنا شخصياً سوف أقول نعم ليس لإيمانى الكامل بها، بل لأنى غير مقتنع بلا فى تلك المرحلة بالذات.. فرغم إنى اتفق مع الساخطين على دستورنا (المرقع) وأدرك أهمية تغييره ولكن (حمارتك العارجة ولا سؤال اللئيم) فليس من المنطقى أن تقف البلد عارية فى انتظار تفصيل الدستور الجديد، بل أفضل الحصول على استقرار نسبى ووضع شكل تشريعى للدولة يساعد على سرعة انتخاب رئيس وبرلمان، لأن الدولة مثل الجسد تحتاج إلى رأس وملامح.. والخائفين من كوادر الحزب الوطنى البائد أو سيطرة الجماعات الإسلامية على الحركة السياسية سواء برلمانية أو رئاسية معهم كل الحق ولكن ماذا تستطيع أن تفعل سوا الخضوع للصناديق الانتخابية والسعى لنشر أفكارك وآرائك.. والانتخابات فى كل العالم تأتى بالأقوى والأقدر على جمع الأصوات ولا يشترط أن تأتى بالأفضل بدليل أن الولايات المتحدة الأمريكية (بجلالة قدرها) اختارت ولفترتين رجل مختل اسمه بوش.. والموضوع أسهل بكثير، لأن شوارع مصر ستشهد فئة جديدة اسمها الرئيس السابق.. أربع سنوات واقلب وجدد وغير وحسن وطور.. بدلاً من الشلل الرعاش الذى عشنا فيه (أجيال ورا أجيال).. يمكن أن نشاهد كل أربع سنوات رئيس مثل بطولة كأس العالم.. سوف يمر علينا المعتدل والطائش والعاقل والمجنون وصاحب الحق وصاحب المصلحة وصاحب صاحبه.. فى النهاية أعمارهم قصيرة على الكراسى وأذرعهم قصيرة فى البلاد ليظل ميدان التحرير أطول وأوسع من كارثة السيادة الأبدية التى عاشها جميع حكام مصر قبل 25 يناير.
للأسف لا تأتى أحلام الدول بالجملة وإنما تأتى غالباً بالتقسيط، فلا تنتظر أن تحصل على دولة جديدة ودستور يرضى كل الأطراف بين ليلة وضحاها، بل نحتاج إلى سنوات فالثورة ليست نهاية الطريق بل هى البداية للحصول على حياة أفضل واقتصاد أقوى ومجتمع أجمل، والديمقراطية تجربة جديدة علينا أشبه بتعليم السباحة لطفل صغير وأتصور أن تأجيل أو فترات انتقالية هى أشبه بتعليم السباحة على الرمال.. فلندخل بسرعة فى التجربة السياسية الحقيقية، لأن التمهل لن يفيد بل قد يضر وتفتر المشاعر وتزداد حدة المواقف.
وسواء انتظرنا لفترة انتقالية أو انتظرنا تثقيف الشارع، فلن يأتينا برلمانيين من الملائكة أو رئيس من الأنبياء.. بل سنعيش يوم حلو ويوم مر مثل باقى دول العالم، المهم أن الأصل فيها التداول والتغيير وسيادة الانتخابات الحرة.. ولن نحصل على انتخابات حرة إلا بعد معركة طويلة مع الفقر وسحق شعار (صوتك أمانة شوف هتاخد فيه كام)، لأن الأفواه الجائعة لا تشبعها كلمات الحرية.. وسنظل محبوسين فى الانتخابات القادمة بين الكثير من الوجوه القديمة أو المريبة ليس لأنها تملأ دماغ الشارع المصرى، بل لأنها تملأ جيوبه.. ولن يغتنى الشعب فجأة حتى فى الفترة الانتقالية التى يرغب فيها من اختاروا لا.. لأن طريق الخروج من الفقر طويل ويحتاج دولة برئيس وحكومة وبرلمان حتى نحاسبهم ونراقب خطط التنمية إذا كانت مستدامة أم تعبانة؟ حقيقية أم إعلانية؟ يجب أن نسحب الساقطين تحت خط الفقر بوعى وسرعة حتى نحصل على ديمقراطية حقيقة وأصوات فعالة ومجتمع متماسك يحمل قدر من الرضا، لأن الرضا عن مجتمعك هو الحرية.. وسوف نظل مسيرين خلف اختيارات الفقراء المدفوعة حتى يشبعوا ويخرجوا من معصرة الفقر بعدها فقط يمكن أن نقول لهم (صوتك أمانة فأعطه لمن يستحق).
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة