الكوارث الكبيرة هى مجرد أخطاء صغيرة.. نظرية منطقية يمكن استخدامها فى تحليل العديد من المصائب التى يعيشها شعبنا العظيم المبجل.. فكارثة وباء أنفلونزا الطيور مثلا بدأت من (فرخه فى عشه فوق السطوح)، وكارثة الرئيس مبارك مكونة من الملايين من حلقات الفساد على كل أنواعه وأحجامه وأشكاله تبدأ من الرئيس وعائلته وتنتهى عند إكرامية عسكرى المرور الذى تعاونا جميعا فى إفساده، دعونا نتفق على أن أى مصيبة تأتى من هفوات صغيرة الحرائق أو الحوادث أو حتى الفتن الطائفية...
ففى مركز "أطفيح" بقرية يطلقون عليها صول نشأت علاقة خاطئة ومريبة بين شاب مسيحى وفتاة مسلمة ما هى حدود تلك العلاقة لا أحد يعلم!! إلا أنها كانت الجمرة الخبيثة فى تلك الكارثة المؤسفة وتوالت الأخطاء والهفوات من الجميع بناء على ذلك.. فذهب اثنان من أقارب الفتاة إلى أبيها بهدف قتلها أو دفعه لقتل الشاب المسيحى وكأنهم أرواح بلا ثمن، وبالفعل هى بلا ثمن لأنهما تبادلوا إطلاق النار هم الثلاثة فمات منهم اثنان وأصيب الثالث فى قدمه.. ولم تقف العنف عند تلك المجزرة العائلية بل امتدت لكافة أفراد العائلة وأصحابهم من المسلمين الذين انطلقوا بعد شعائر الدفن متجمهرين حول كنيسة الشهيدين وكأنها هى السبب فى كل ما حدث واحرقوها ويقال إنهم أحرقوا بيوت وممتلكات بعض أهالى الشاب المسيحى، وبعدها انطلق المسيحيون وتظاهروا حول ماسبيرو مطالبين بالقصاص مما حدث لهم، فأصدر المشير حسين طنطاوى، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، قراراً عاجلاً بإعادة بناء الكنيسة على نفقة الجيش وتسليمها للأخوة المسيحيين قبل عيد القيامة المجيد (25 أبريل ) إلا أن الأخوة المسيحيين زاد تجمهرهم وقرروا المبيت على كورنيش النيل وافترشوا الكبارى والشوارع وخنقوا العاصمة بمن فيها وأعلنوها فتنة طائفية وقدموا لائحة بمطالبهم بعضها منطقى يرتبط بأحداث "أطفيح" ومعاقبة الجناة وأكثرها مطالب عامة تشوبها جوانب ضغط خاصة فى حالة البلبلة التى نعيشها الآن، وزاد غضب المسيحيين وتصاعد بدون أسباب واضحة وضعف دور المثقفين والعقلاء بينهم فجأة (فى زحام ما بعد الثورة) ليعلو صوت الجهل والطبقات غير المتعلمة ليخرجوا فى مظاهرات تحمل أكوام القمامة وأغلقوا بها شارع صلاح سالم فتجمهر المسلمون أيضا وبدأت المشاحنات وتحت ضغط التجمهر والاستفزاز والشائعات حدثت مجزرة إنسانية بين الطرفين مات فيها 13 وأصيب 114، ماذا يحدث بالله عليكم، كيف هانت أرواحكم هكذا لتحرقوها فى هذا التخلف والبله.. وكيف أصبحتم بهذه القسوة فى مواجهة قضاياكم ومشاكلكم ولماذا أصبح القتل بين المصريين فجأة وبعد الثورة بهذه السهولة والعفوية، هل يظن كل طفل معقد أو رجل أهبل أن السلاح الذى يحمله يجعل منه (رامبو) وهذا الكم الهائل من الأسلحة النارية والبيضاء الذى أصبح فى الشارع المصرى هل يمكن أن يوصل الأوضاع إلى حرب طائفية بسبب غباء متبادل من جهلاء الطرفين، أفيقوا يرحمكم الله، إنها كارثة أن نبدو أمام العالم وأمام أولادنا بهذا التخلف، المصيبة أن البعض مازال يرمى بنزيناً على النار وينتصر لأحد الأطراف ويناصره وكأنهم يريدون تدمير البيت بمن فيه، يجب أن نقول لكل من شارك فى تلك السلسلة من السقطات إنه غبى وجاحد ولا يستحق أن يعيش فى هذا الوطن أو فى أى مجتمع سواء كان من المسلمين أو المسيحيين، يجب أن نعرفهم أن القتلى من الجانبين ليسوا من الشهداء لانهم كانوا على باطل ويعملون باسم الخراب لا باسم الدين، يجب أن نتوقف عن تأليف الإشاعات وتبادل الاتهامات بين الطرفين فى الصحف والفضائيات التى للأسف مازالت تسعى للحصول على السبق الإعلامى ولومن خلال معلومات مزيفة واتهامات ساذجة لا يصدقها عاقل أو تافه ولكنها تكفى للحصول على أعلى نسبة مشاهدة.
فإذا كانت الفتن الطائفية تقوم الآن بسبب علاقات عاطفية شاذة ونادرة بين شباب من الطرفين فلنجرمها اجتماعيًا وعلى كل إنسان أن يتحمل مسئولية أفعاله وإلا تلوث المجتمع كله وتؤدى لمئات الضحايا، يمكن أن نحاكمهم اجتماعيا ويتم نفيهم بعيدا عن أهاليهم ومجتمعهم فى قرار عائلى صارم ومتفق عليه حتى يعرفوا أن علاقاتهم العاطفية ستكلفهم علاقاتهم بكل العائلة وبجذورهم وحقوقهم فى المكان الذى عاشوا فيه، لا يجب أن نعطى حجمًا لتلك الهفوات الإنسانية لتصبح فجأة فتنة بين قطبى البلد تزيد من عدم استقرار الأمن وتشعل نار حمقاء فى النفوس، أخطاء غريبة بدأت من شاب وفتاة وندفع ثمنها جميعًا وكأنهما من أولياء الله الصالحين، ما قيمة أى منهما فى دينه ومجتمعه حتى يحصلا على هذا الاهتمام الذى أوصلنا لهذه المجزرة.. وأين العقل فى أن تتراكم تلك الأحداث الصغيرة التافهة وتتحول إلى قنبلة ضخمة قد تفتك بنا جميعًا، أين عقول الطرفين بالله عليكم التى أوصلت علاقة مريبة بين اثنين إلى علاقة مريبة بين 85 مليونًا..
قد يكون أعظم ما قدمته الثورة إلى شعب مصر.. هو18 يومًا من الحب، عشنا فى هالة من الحب الاجتماعى المتبادل، أصبح جارك المسيحى هو من يحميك وأصبحت فجأة مكلفاً بحماية كنيسة جارك المسيحى.. أجبرتنا ظروف الثورة على الخروج من شققنا الضيقة وعلاقتنا المحدودة لنتجمع تحت العمارات فى لجان شعبية ملأت كل الشوارع، كان مظهرنا (بعصاية المقشة) أو سكينة المطبخ يثير ضحكاتنا أحيانا ولكنه كان يعطينا الثقة والأمل فى تخطى الأزمة، لقد نجحنا فى إسقاط النظام والرئيس ولكننا وحتى الآن لم نستطع إسقاط الجهل الذى يؤهلنا كل يوم لصناعة كارثة كبيرة ومذبحة مخيفة من مجرد أخطاء صغيرة وعلاقات تافهة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة