د.عزازى على عزازى

رئيس سابق يتسلى فى شرم الشيخ

الأحد، 20 فبراير 2011 07:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أصدق تماماً ما نشرته بعض وسائل الإعلام الغربية والمواقع الإخبارية عن أن صحة مبارك جيدة، وأنه ليس منهاراً ولا فى حالة غيبوبة، كما أفادت بعض الأنباء، فسيرة الرجل تؤكد ذلك وكذلك جدول أعماله اليومى ولقاءاته مع ضيوفه المقربين، بالإضافة لطريقته فى صنع القرار، ولذلك لم يكن مدهشاً ما تم تسريبه بالأمس فى بعض المواقع عن مكالمة لمبارك مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وتأكيده للملك على أنه لم يقم بالتنحى عن السلطة، ولم يوقع على القرار الذى تلاه نائبه، وبالتالى - بحسب قول مبارك - فهو مازال رئيساً للجمهورية!! ومازال يتصل بأمين شئون الرئاسة زكريا عزمى والنائب عمر سليمان، ورئيس الوزراء أحمد شفيق..

لذلك وبعكس كل التحليلات النفسية التى تحدثت عن انهياره النفسى والبدنى، فالرجل - كما عهدناه طوال ثلاثين عاماً - لم تؤثر فيه الأحداث، لا لأنه صلب الإرادة أو أنه يمتلك شخصية متحدية لا يفلها الحديد، ولا يتعلق الأمر بطبيعة الديكتاتور الذى ظل على رأس السلطة عقوداً، لأنه أبسط وأقل من ذلك بكثير، فقد عاش بلا أحلام عامة، ولم يرتبط بقضايا الوطن منذ كان شاباً، فقد دخل جيله من الضباط أفواجاً فى تنظيمات الضباط الأحرار، وظل هو بعيداً عنها لم يطلب الدخول ولم يفاتحه أحد، والدلالة واضحة، فالرجل بلا رأى يرتبط بأى شأن عام، وتعامل مع موقعه العسكرى كوظيفة ترتب له وضعاً مالياً واجتماعياً جيداً، وكان حلمه قبل انتهاء خدمته كقائد للطيران - كما قال بعضمة لسانه - أن يعمل سفيراً فى بلاد (الإكسلانسات) علشان يروَّق نفسه بعد المعاش، وسمع الناس مبارك فى بداية عهده يتحدث تليفونياً مع نجمة تليفزيونية على الهواء قائلاً لها حينما أبدت دهشتها من متابعته الدقيقة: (أنا ورايا إيه، أنا بخلص شغلى على الظهر وأتفرغ لكم طوال اليوم).

ويعرف الناس أيضاً أن مبارك يلغى أى ارتباطات فى أيام الإجازات والعطلات الرسمية، كأى موظف بسيط فى مصلحة حكومية، وعلى الرغم من تجهمه الدائم فى خطاباته للشعب، إلا أن القريبين من الرئاسة كانوا يعرفون ولعه بالنكت والقفشات فى حياته الخاصة، وقيل إن أحمد عز كان يلعب دور مضحك الرئيس، وكان يقوم بهذا الدور خير قيام على طريقة الرئيس طبعا، لأن حجم ثقل ظل تاجر الحديد (الطبال) لا يمكن أن يكون مؤهلاً لوظيفة مضحك السلطان.

وأجدنى فى هذا السياق مضطراً لاستدعاء ثلاث قصص حقيقية شهودها أحياء، تفسر لنا موقف مبارك من الحياة، التى أراد أن يعيشها وحده، ولو على جثمان مصر وشعبها.
الموقف الأول صاحبه المناضل الوطنى الكبير فتحى رضوان حكاه لنا على سرير المرض وهو يبكى، فحينما سألناه عن سر البكاء، قال: «أنا أموت الآن وأنا مرعوب على بلد المسئول عنها حسنى مبارك».. ثم حكى الرجل حكاية لقائه بمبارك فى مطلع سنة 1982 أى بعد تقلده السلطة بشهور قليلة، فقد طلب الرئيس السابق لقاء المناضل الكبير، وباختصار شديد كان اللقاء فى استراحة القناطر، ويحكى الرجل: حينما اقتربت من الرئيس دخل فى نوبة ضحك هستيرى، فتوقفت مستعداً للرجوع، لأنى رأيت فى ذلك استهزاء لا يليق بى وبتاريخى، فاستدرك مبارك الموقف وخطا نحوى ثم طالبنى بالجلوس فجلست، فقال لى: طبعاً انت حتموت علشان تعرف أنا طلبتك ليه.. ولم يرد الأستاذ فتحى رضوان فاستكمل الرئيس السابق: أنا كنت أحكى إمبارح لأولاد الـ ..... دول، عن لقاء عبد الناصر بضباط الطيران فى القاعدة الجوية ببلبيس، واستغربت ساعتها حينما كرر عبد الناصر جملة (أستاذنا فتحى رضوان) وغمزت زميلى الجالس بجوارى من فتحى هذا الذى يذكره عبد الناصر كأستاذ له؟ فوعدنى زميلى بتوضيح الأمر بعد انتهاء الرئيس من خطابه، لكننى نسيت أن أسأله بعدها ونسيت الموضوع تماماً، إلى أن تذكرته بالأمس وحكيته للـ.... فقالوا لى إنك من قيادات الحزب الوطنى القديم وكنت أول وزير للإرشاد بعد الثورة، والداهية الكبيرة بقى قالولى إن أنا قعدت معاك وكنت جنبى على كنبة الصالون بعد الإفراج عنكم فى أعقاب حادث المنصة، سبحان الله ولسه عايش يا أستاذ فتحى؟! وظل الأستاذ صامتاً صمت الحزين، فرئيس مصر لا يعرف تاريخها ولا رموزها، لكن مبارك قطع الصمت فى نهاية اللقاء وأعطى الأستاذ «كارت» بأرقام الرئيس المباشرة قائلاً: تحت أمرك لو محتاج أى حاجة لك أو لأولادك، عايز تسافر برة أو عايز تدلع نفسك انت تأمر بس!! عند هذا الحد نطق الأستاذ بجملة لو عرف الرئيس السابق مغزاها لأمر بحبسه قال: اللى زينا مش ممكن يطلبوا من سيادتك شيئاً، واللى زى سيادتك مش ممكن يطلب من اللى زينا شيئاً!! وبكى فتحى رضوان وبكينا معه.

الحكاية الثانية، رواها لى القطب اليسارى الحاج أحمد طه نائب الساحل لأكثر من دورة، حينما ذكر لى - عرضاً - أنه جلس مع الرئيس قريباً، وكان ذلك فى منتصف عام 2004، ولما استحلفته بالله أن يحكى لى تفاصيل اللقاء وتدافعت الأسئلة على لسانى عن موقفه مما يحدث فى مصر وعن حصار عرفات والوضع فى العراق.. إلخ، لكن النائب أحمد طه صدمنى بقوله: أنت راجل طيب، أنت متصور إن إحنا اتكلمنا فى السياسة أصلاً؟ فقلت له: أكيد كان اللقاء قصيراً؟ فصدمنى ثانية وقال: بالعكس لقد امتد من التاسعة حتى الثانية ظهراً وكان مقدراً للقاء نصف ساعة فقط فى استراحة برج العرب، لكن الرئيس أصر على استمرارى معه طوال هذا الوقت!! ازدادت دهشتى وعدت أسأله: إذن فيما تحدثتما؟ فأجاب الرجل ببساطة: فى أول المقابلة سألنى عن آخر النكت فى شبرا، وقال ضاحكاً: إذا اكتشفت أنها نكت قديمة سوف أحبسك!! ويستطرد أحمد طه: و(فقعته) كام نكتة جديدة لانج، وبعدها دخلنا فى أحاديث النميمة والشائعات، وكلما هممت بالانصراف دعانى للمكوث.. سألته للمرة الثالثة: ولا كلمة فى السياسة وأنت نائب يسارى مع رئيس الجمهورية؟ فضحك أحمد طه قائلاً: أصل النميمة كانت متغمسة سياسة، يعنى اتكلمنا على مغامرات بيل كلينتون وعلى كلب سهى عرفات، ومحلياً كان حديثه عن الواد رجب والواد رامى لكح وعن السلوك الشخصى لبعض رؤساء الأحزاب وهكذا!!

أما الحكاية الثالثة فبطلها حى يرزق وسأذكره بالاسم على سبيل التحديد، وهو نائب الشورى المعجزة محمد فريد زكريا عن حزب الأحرار، فقد التقيته فى إحدى المناسبات السياسية، وتحدث الرجل معى بمنتهى المحبة عن تقديره لى وحسن ظنه بى، بعدما عرف أننى لا أمتلك سيارة بعد كل هذا العمر فأصر على توصيلى للهرم وهو ما جعلنى استثمر هذه الرحابة بسؤاله مباشرة: ما الإمكانيات الفظيعة التى تملكها يا أخ فريد لكى يتم اختيارك طوال عقد ونصف العقد عضواً فى مجلس الشورى؟ فضحك فريد زكريا وقال لى: الذنب ليس ذنبى فأنا لم أسع للموقع، ولو نزلت انتخابات فى أى مكان، فلن أنجح، الموضوع باختصار أننى فوجئت بدعوتى للقاء الرئيس مع لفيف من قادة الأحزاب، وكنت فى ذلك الوقت قد انشققت على مصطفى كامل مراد وصرت أميناً عاماً للحزب، والباقى معروف، فقد اعترف صفوت الشريف بالحزبين، وبالقيادتين أنا ومصطفى بك، وفى بداية اللقاء مع الرئيس ونحن نسلم عليه، فتم تعريفه بى فقال الرئيس: طيب والراجل أبو دقن (يقصد مصطفى كامل مراد) عامل إيه؟ فأجبت الرئيس ضاحكاً: دى مش دقن دى عيرة، وجرَّب بنفسك يا سيادة الرئيس وحاول تشدها، حتطلع معاك فوراً!! وهنا انفجر الرئيس بالضحك، وصرنا كالأصدقاء، وبعدها بيومين كانت تعيينات مجلس الشورى ففوجئت باسمى أول الأسماء، وتكرر ذلك حتى الآن.

القصص كثيرة عن المزاج العالى للرئيس السابق، منها ما يعرفه الناس ومنها لا يعرفه إلا القريبون الذين كانوا يتحدثون سراً عن طريقته فى معاملة الوزراء والقيادات ورجال الأعمال، وطريقته العشوائية والعنيدة فى إصدار القرار، وحجم سخريته من الشعب المصرى الذى ابتلى بحكمه، وتهكمه على القيادات الوطنية، أما انفعالاته وغضبه، فلم يرها المصريون إلا فى اللحظات التى يتعرض فيها الأمن الإسرائيلى أو الأمريكى لخطر، وقد شاهدنا ذلك فى حرب لبنان وغزة وقبلهما فى الحرب على العراق، لكننا لم نر له أى تعبير غاضب فى انقسام السودان ولا فى حرب المياه ضد مصر فى دول الحوض، ولا فى حادث العبارة ولا الدويقة... إلخ.

نعود مرة لبداية المقال حول التسريب الذى تم للمكالمة الهاتفية مع الملك عبدالله من شرم الشيخ، والحديث عن صحته المتدهورة، لتؤكد أن الرجل الذى قضى ثلث مدة رئاسته فى المنتجع الخاص به فى شرم الشيخ، تحت حراسة الأمن، يمكن أن يظل طويلاً على حالته التى يعيشها الآن، باستثناء بسيط فى أنه حرم شعبه من طلته عليهم أحياناً من فوق شاشة التليفزيون، يحدثهم عن دعمه لمحدودى الدخل، وعن بقائه لآخر نفس فى خدمتهم، وعلى رأى سيادته فى وصف المعارضين، (أهو قاعد يتسلى فى شرم الشيخ).

أحب أيام (الجمعة) التى كانت للمسملين عيداً، فأصبحت كل جمعة مناسبة للبهجة لكل المصريين، اللهم اجعل فى كل جمعة إنجازاً ونصراً وكرامة.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة