المكاسب من ثورة 25 يناير من وجهة نظرى كثيرة.. بالطبع أولها أن مصر أعادت اكتشاف نفسها بعدما خرجت من قمقم القهر والإحباط والتوهان، ليعلن شبابها أن المحروسة مازالت قادرة.. مازالت شابة تستطيع فى الوقت الذى تختاره، أن تغير أو تزيح وتزيل الظالم والديكتاتور والطاغية.. نعم اكتشفنا شبابا يملك إرادة فولاذية، فمنذ اليوم الأول للمظاهرات وهم يرفعون شعاراً واضحاً، مؤكدين أن «الشعب يريد إسقاط النظام» وظل هؤلاء الشباب طيلة الـ18 يوماً، متمسكين باليافطة التى بدأوا بها ثورتهم حتى تحقق ما أرادوا.. وأكد هؤلاء الشباب أنهم قاطرة التغيير التى جرجرت الجميع وراءها، أو هم الذين استطاعوا تقوية عزيمتنا التى كادت تتلاشى.. ولكن سرعان ما بدأت خيوط الفتنة تدب فى أوصال هذه الثورة، بعدما تعالت أصوات تلاغى هؤلاء الشباب، وتؤكد لهم بأنهم أصحاب الريادة، وأن ما حققوه لم يستطع أحد تحقيقه على مدار التاريخ، وبدأت هذه الكلمات تعجب أو تفتن بعض الشباب، فذهبوا يتنصلون ويرفضون الجذور أو أصحاب الريادة الذين أفنوا عمرهم فى مناهضة استبداد مبارك، ويبدو أن البعض أراد أن يلغى نضال وكتابات د. عبدالحليم قنديل الذى فتح ملف التوريث، وظل يناهض جمال مبارك دون هوادة، ورفض كل المبادرات والمفاوضات التى أرادت الدولة فتحها معه.. ونسى هولاء أن هناك المناضل حمدين صباحى الذى قدم ثلث عمره فى السجون فى قضايا الفلاحين والصيادين والعمال، وظل مصراً على مساندة الفقراء ولم تغيره أو تزعزع همته محاولات تقرب رجال السلطة منه، أثناء وجوده تحت قبة البرلمان، وهل ينسى أحد جريدة «الدستور» ورائدها إبراهيم عيسى التى حركت أفكار وخيال الشعب المصرى، وبذلت هذه الجريدة جهداً كبيراً فى إعادة الوعى الضائع، وأكدت طوال فترة إصدارها على كشف فساد المفسدين، وكانت دوماً ضد مبارك الأب والابن أيضاً، حتى تم التخلص منها بعملية جراحية ظن منفذوها أنها ناجحة، وعموماً فإن هؤلاء الشباب هم المكسب الأكبر فى هذه الثورة، ولكن كعادتنا سوف نحولهم إلى أعداء الوطن ويتم تسجيل أسمائهم حتى لا يحصلوا على أى مناصب مستقبلية.. وأتمنى أن تخيب ظنونى، وأجد بعضهم فى مناصب وحقائب مهمة، يستفيد منهم الوطن سواء من كفاءتهم أو إخلاصهم أو تفانيهم لأنه آن الأوان أن تكون اختيارات المناصب لا تزيد مستوياتها العمرية على 55 عاماً، بعدما أضاع نظام مبارك أجيالا كثيرة، وحرق طموحات كفاءات كبرى، بسبب جلوس المسؤولين على كراسى المسؤولية لأكثر من 20 عاماً متتالية، حتى أصحبنا الآن نبحث عن كوادر جديدة، والدليل على ذلك حالة التوهان التى أصابت الفريق أحمد شفيق رئيس وزراء مصر الذى مازال يبحث عن أسماء جديدة، بعيداً عن الأسماء المستهلكة لكى تتولى وزارة مصرية ائتلافية، ولذا فلم يجد شفيق ولا قيادة القوات المسلحة، فأعلنوا بيانهم الرابع أن تظل الوزارة الحالية تمارس عملها حتى أجل آخر، ربما يجدون مخلصين يرشحون منهم كوادر جديدة.
أما المكسب الثانى فهو القوات المسلحة المصرية التى استطاعت أن تحمى أكبر ثورة شعبية، كانت كل الرهانات تؤكد أن الصدام قادم لا محالة بينها وبين الشعب، إلا أن جيش مصر العظيم الذى أكد يوم 28 يناير، وهو أول يوم نزوله الشارع، أنه جاء لحماية الوطن والمواطنين، ورغم حالات الضباب التى سارت فيها البلاد، إلا أن الجيش ظل على عهده بأنه جيش هذا الشعب.. وأزعم أن القوات المسلحة زادت رقعة شعبيتها بشكل غير مسبوق فى هذه الأزمة، وبات ترشيحها لتولى مسؤولية البلاد حلا توافقيا يرضى عنه كل الأطياف والأحزاب والأهواء السياسية.
وأرى أن الأمريكان أيضاً استفادوا كثيراً من تلك الثورة الشعبية، بعدما شعروا أن حساباتهم واعتمادهم على الطغاة والديكتاتوريين سوف ينال من تاريخهم، وأرى أن تلك الثورة عرت الوجه الأمريكى، وبات محتاراً بين المثل والقيم التى يتحدث عنها طوال الوقت، وبين مصالحه فى المنطقة العربية.. وظلت السياسة الأمريكية متضاربة متخبطة، لا تعرف هل تساند مبارك أم تطالب برحيله، حتى إن الرئيس الأمريكى باراك أوباما ظل طوال الـ18 يوماً وهى عمر الثورة، يقدم تصريحات، ويعقد مؤتمرات صحفية غير المتحدث الرسمى للبيت الأبيض، ووزيرة الخارجية هيلارى كلينتون.. ولم يكتف الأمريكان بذلك، بل توجه الأسطول الأمريكى تجاه قناة السويس، وظل رابضاً ليتابع عن قرب.. والبعض أكد أنه جاء ليحمى إسرائيل، وآخرون قالوا إنه جاء لحماية مكتسباته فى المنطقة كلهار وخشى أن يستولى الإخوان المسلمين على السلطة فى مصرر وتضيع المصالح الأمريكية والإسرائيلية معاً.. ولذا فهناك شائعات تؤكد أن رئيس أركان القوات المسلحة الأمريكية، كان قد طلب رسمياً من قيادة الجيش المصرى ضرورة تنحى مبارك مباشرة، بعدما لاحظ حالة عدم القبول الشعبى لمبارك حتى بعد خطابه الأخير والذى تنازل فيه عن كل صلاحياته إلى نائبه عمر سليمان، ويبدو أن هذه الشائعة قد لاقت قبولاً كبيراً بعدما خرج علينا نائب الرئيس بخطاب التنحى، ولذا فيرى البعض أن مبارك أجبر على التنحى، ولم يتنحَّ بإرادته وسافر إلى الغردقة تحت حماية الجيش.. ولذا فقد استفاد الأمريكان كثيراً من إدارة هذه الأزمة بأنهم تعاونوا فى تحقيق مطلب المصريين وزادت نبرات خطاباتهم حتى أن أوباما نفسه قد أكد انحيازه للشعب المصرى.
ولذا فالمكتسبات من ثورة 25 يناير هى الشباب الذين باتوا يؤكدون الطمأنينة على مستقبل هذا الوطن، ثم الجيش المصرى الذى استطاع بحكمته إخراج الوطن بلا خسائر ولم تمتد عصاته ضد أى مواطن، وأيضاً الأمريكان الذين انحازوا إلى الشعب، ولم يأت على سدة الحكم أعداؤهم الحقيقيون.. الإخوان المسلمين.
الأسطول الأمريكى واتصالات منتصف الليل مع قيادة الجيش المصرى تطرح السؤال: هل تنحى مبارك أم أُجبر على التنحى!
الخميس، 17 فبراير 2011 07:42 م
ملايين الصمود - تصوير: أحمد أشرف
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة