كان يقف بجوارى، فى العشرين من عمره تقريباً، رن هاتفه، كان والده هو الذى يحادثه، حسبما فهمته من الحوار «يا بابا متقلقش، أنا بعيد عن المظاهرات، أنا وصحابى قاعدين على القهوة، أيوه الدنيا زحمة، والله ما تقلق، متخافش، مع السلامة»، أدركت أنه أحد المتهمين بأنهم «مندسون» فى القلة.
بدأنا نسمع دوى طلقات نارية، كانت تدوى فوق رؤوسنا، وحجارة البلطجية وقنابل «المولوتوف» تتهاوى فوقنا، والأطباء والمسعفون يهرولون لإسعاف المصابين ونقل من اخترقهم الرصاص، كان اليوم الثالث للثورة وتحديداً فى معركة المتحف التى سقط فيها 13 شهيداً.
رغم الضجيج الهائل كان يشير للبلطجية أسفل كوبرى أكتوبر ويقول: «تعالوا... تعالوا»، إنه هو الشاب الوسيم الذى كان يحادث أباه قبل ساعات، استدار ليمسك بحجر كى يقذفه، لكن رصاصة القناص العمياء اخترقته، بدأت أسمع نداء: «إسعاف.. إسعاف»، نزف الدم بغزارة، ليرسم خريطة تشتاق ليوم الحرية، اصفر وجهه، بدأ الأطباء يسعفونه، توقف القلب الذى لا أعرف اسم صاحبه، لكننى أعرف أنه شهيد، جاء ليقول لا فى وجه القتلة أتباع السلطان الرجيم فى سبيل الحرية والخلاص من حكم العسكر، وحكم الآباء.
جاءت سيارة الإسعاف، وضمت قائمة الشهداء اسماً جديداً، وعدت أنا إلى حيث يرابض الباقون، الساعة كانت تقترب من الثانية فجراً، الرصاص الحى يحصد أرواح الشباب، قوات الجيش كانت من حين لآخر تطلق الأعيرة النارية فى الهواء لردع البلطجية، ومنعهم من معاودة الهجوم، خفت الرصاص واختفى المجرمون مع اقتراب الفجر.
احتلت صور الشهداء ميدان التحرير وشاشات الفضائيات وصفحات الجرائد، لكننى لم أر صورته مثل بقية الشهداء.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة