د. بليغ حمدى

حكيم عيون!!

الأربعاء، 07 ديسمبر 2011 10:18 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حسناً ما فعلته جريدة اليوم السابع تلك المؤسسة الإعلامية المصرية اللون والطعم والرائحة، حينما خاطبت وزارة الداخلية بصورة رسمية ومباشرة للحصول على معلومات كافية حول الضباط المتهمين بإصابة وقتل وقنص عيون المتظاهرين بميدان التحرير وشارع محمد محمود فى المواجهات الأخيرة، ولــ"اليوم السابع" مزية حصرية وهى امتلاكها لعدد من المستندات المتمثلة فى صور فوتوغرافية مفادها قيام بعض ضباط الشرطة بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، وأولئك احترفوا قنص العيون الثائرة والمعتصمة.

وجميل حقاً رغم مرارة الواقعة أن تقوم وسيلة إعلامية بالمطالبة بحق المصريين فى معرفة الجناة الذين اعتدوا على مواطنين منتسبين ومنتمين للأرض المصرية الطيبة، ومن ثم يتحول الإعلام من وسيلة نقل إخبارية معلوماتية إلى القيام بدور أشمل وأكثر عمقاً وهو صوت من لا صوت لهم.

التعليقات التى تعبر حدود شبكات التواصل الاجتماعى مثل الفيس بوك وتويتر عن احتراف بعض ضباط الشرطة المعروفين باسم قناصة العيون أصبحت مثل الخلايا السرطانية، لا من حيث المعنى الإكلينيكى، بل من حيث مدلول ودلالة الانتشار السريع. والأمر نفسه لم يخل من حقيقة مفادها مجموعة من الضباط أو البلاك ووتر احترفوا قنص عيون المتظاهرين فى أثناء ثورة مصر البيضاء منذ جمعة الغضب الأولى وحتى أحداث الاقتراب من مبنى وزارة الداخلية.

والغريب هو هذا التجاهل الإعلامى من القنوات والصحف الأخرى لقناصة العيون، رغم أن هؤلاء المنتمين لجهاز الأمن تم تصويرهم بالفعل وهم يصوبون فوهات بنادقهم الوطنية التى دفعنا ثمنها نحن الشعب المصرى تجاه المصابين من المتظاهرين.

ولا يوجد سبب واحد مقنع يجعلنا نسلم بأن الأمر هذا محل إدعاء، بسبب هذا التجاهل، وربما وسائل الإعلام ترى أن فى فتح هذا الملف عودة للوراء ونبش فى جرح قديم أدمى مصر كلها.

ولكن الحقيقة أصبحت تاريخية أى لا يمكن محوها من ذاكرة الوطن السمعية والمرئية والشفاهية وهى ذاكرة تفوق الذاكرة الكتابية قوة وبقاءً؛ لأن الذاكرة المكتوبة من الممكن تحريفها وتصحيفها بل وتزويرها كما كان يحدث فى عهد المخلوع مبارك، أما الذاكرة التناقلية فباقية بقاء اللسان بالجسد، بالإضافة إلى ما انفردت به "اليوم السابع" من نشر لبعض الصور التى تضمنت تصويب الرصاص نحو عيون المصريين.

وإذا كانت وزارة الداخلية تعمدت إخفاء ما يجرى بداخلها من تحقيقات حول قناصة العيون، فهذا أمر داخلى لها من أيام النظام السابق البائد، ولكن بعد كشف الحجاب عن هذا الجهاز الخطير بالوزارة المسمى بأمن الدولة سابقاً فالأمور كلها تصب عند المواطن الذى بات من حقه أن يعرف أمن دولته وواجباتها نحوه التى لا شك ليس منها قنص عينيه.
وإذا كان المتظاهرون يصرون على أسماء بعينها تم رصدها وتصويرها وهم يقنصون عيونهم، فالداخلية تؤكد أن هذه الأسماء لضباط موجودين بالوجه القبلى ولا علاقة لهم بهذه العمليات، فلنفترض صحة أقوال الداخلية ولكن المجنى عليه لا يزال حياً بيننا فقد نور عينيه أى أن هناك جريمة موجودة بالفعل.

لذا فمن الأحرى أن تتخلى وزارة الداخلية قليلاً عن استكمال مسلسل الأيدى الناعمة الذى تمثله لفترة طالت وأصبحت هذه الفترة باهتة لا طعم لها، وبدلاً من استخدامها قنابل ممنوعة الاستخدام إلا فى الحروب البيوكيماوية يبدأون فى إعادة الأمن ونشر الأمان بين المواطنين، لاسيما وأن بعض الضباط زعم أن هناك عنصراً ثالثاً كان موجوداً بين المتظاهرين ورجال الشرطة بالتأكيد ليس اللهو الخفى.

الصور الفوتوغرافية موجودة، ومقاطع الفيديو موجودة أيضاً تلك التى تدين هؤلاء الضباط الذين لابد لوزارة الداخلية أن تقدمهم للعدالة سريعاً، لكن يبدو إن لم يعلموا حتى اليوم أن من أسباب التحفظ على الرئيس السابق مبارك هو اتهامه ونظامه الأمنى العتيد بضرب وقتل المتظاهرين أثناء ثورة يناير. لذا عليهم بفتح هذا النفق المظلم الموجود داخل الوزارة والذى يديره رجال شرطة تشير أصابع الاتهام إلى وجود أعوان للسجين حبيب العادلى.

على الوزارة كلها وهى تستعد لمرحلة خطيرة فى تاريخ مصر أن تعاود ظهور الأمن وهى تتعامل مع المواطن الذى أصبح بين مطرقة الشرطة وسندان البلطجية، لكن ظاهرة الخروج المستدام على النظام والاستقرار واستخدام الأسلحة بصورة عشوائية فى تصفية الخلافات بين القرى والقبائل والعائلات لهو ناقوس خطر لمستقبل محفوف بالمخاطر.

ومحاولة إعادة الأمور إلى صورتها الطبيعية عن طريق القوات المسلحة تشكل خطراً على طاقة البلاد أمنياً لاسيما وأننا نستهلك طاقاتنا العسكرية بصورة مرهقة لابد وأن تلقى بظلالها على المدى البعيد .

وجهاز الشرطة فى مصر والذى تغيرت مهمته الحالية عن عهده السابق فى ظل نظام مبارك الهانئ بالمركز الطبى العالمى دون قلق أو توتر أو انفلات أمنى، لابد وأن يعى جيداً بأن أجل مهامه الوظيفية هذه الأوقات هو حفظ الأمن وضمان الاستقرار، بل إن عليه مهمة حفظ النظام بصورة تحفظ للمواطن كرامته.

لكن ما نطمح فيه على عجلٍ هو الحث على عودة الثقافة الأمنية لرجل الشرطة الذى لابد وأن يعود بقوة وحماسة لممارسة عمله، وأن يبدأ بحفظ الأمن والنظام قبل وقع حوادث دموية، كالطبيب الذى يضمن صحة مرضاه بإعطائهم مضادات ومقويات تقيه من أمراض البرد والشتاء قبل الإصابة.

ولكن فى النهاية تظل الأسئلة بعقلى مرهونة الإجابة: هل سنعرف يوماً ما ضباط العيون؟ وهل سيقدمون للمحاكمة ويلاقون أقسى أنواع العقوبة الجنائية؟ وهل سنعرف هذا العنصر الثالث الذى كان موجوداً بين المتظاهرين وضباط الشرطة وجنود الأمن المركزى المغلوبين على أمرهم؟.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة