تجاهلت أسهم الشركات المقيدة فى البورصة إعلان ممثلى الأحزاب السياسية وتطميناتهم عن نظرتهم المستقبلية للبورصة وتعاملاتها خلال الفترة المقبلة، التى من المتوقع أن تشهد سيطرة كبيرة للإسلاميين على مجلسى الشعب والشورى المقبلين، وتزامن ذلك مع تصريحات سيئة لبعض المحسوبين على هذه الأحزاب الإسلامية أغلبها ضد عمل البورصة حتى وصل الأمر إلى وصف أحدهما لها بأنها صالة للقمار وبا فاحش.
ورغم قيام عدد من ممثلى هذه الأحزاب الإسلامية وعلى رأسهم حزبا "النور" السلفى و"الحرية والعدالة" الإخوانى بافتتاح جلسة البورصة الاثنين الماضى وتأكيدهما أن البورصة شأنها شأن أى قطاع اقتصادى يوجد به الحلال والحرام، وأنهم ملتزمون بدعمها فى الجانب الحلال، إلا أن مواقفهم كان بها الكثير من الغموض، حيث إن 90% من الشركات المقيدة فى البورصة تحصل على قروض من البنوك التى يصفها الإسلاميون بأنها بنوك ربوية، ولذلك فمن المتوقع أن تستبعد حكومتهم المقبلة هذه الشركات من البورصة بحجة أن تعاملاتها لست حلال وهكذا.
هذا الغموض فى المواقف جعل أداء معظم الشركات فى البورصة تتراجع بشكل كبير أثناء تواجدهم فى البورصة، حتى أن الجلسة انتهت بخسارة اقتربت من 3 مليارات جنيه، ومازالت تحقق خسائر كبيرة، وواصل المستثمرون الأجانب الخروج المنظم من السوق تحسبا لتشدد مواقف الإسلاميين من البورصة فى المستقبل القريب مع تشكيل الحكومة الجديدة بعد البرلمان المقبل.
حتى عندما حاول طارق شعلان ممثل حزب "النور" أن يطمئن المستثمرين من مواقف حزبه بطرح مبادرة يرصد الحزب فيها جائزة للشركات التى تتوافق مع الشريعة الإسلامية، قال فى الوقت نفسه أن يمثل المستثمرين الذين يريدون التعاملات الإسلامية فقط ويسعى لدخولهم السوق إلى جانب المستثمرين الموجودين حاليا من خلال شركات تتوافق مع الشريعة الإسلامية قال إنه حزب النور يسعى إلى عمل مؤشر خاص بها يقيس مدى ارتباطها وإلتزامها باحكام الشريعة الإسلامية، وهو ما استدعى أن يوقفه الدكتور أشرف الشرقاوى ليتدارك الأمر ويخبره بأنه يوجد بالفعل مؤشرات عاليمة للشركات التى تتعامل طبقا للشريعة الإسلامية ولا حاجة لعمل مؤشرات أخرى، ودعاه الشرقاوى إلى الاكتفاء بالجائزة التى اقترحها الحزب.
وائل النحاس – خبير سوق المال- قال إن إقدام إدارة البورصة على دعوة عدد من الإسلاميين لافتتاح جلسة البورصة، ورغم أنه بهدف الترويج والتعريف بالبورصة إلا أنه كان له مردود سىء على السوق، خصوصا وأن العديد من التيارات الإسلامية الموجودة حاليا لديها رؤية سلبية لعمل قطاعات عديدة فى البورصة مثل تحريم السندات وباقى المشتقات مثلا، بالإضافة إلى عمل البنوك وهو ما ينذر بكارثة اقتصادية جديدة.
وأضاف النحاس أن المشكلة لا تتوقف على البورصة، وإنما تمتد لعمل البنوك أيضا، لأن فتح المجال للحديث فى هذه الموضوعات الشائكة، قد يضر بعمل هذه المؤسسات (البورصة- البنوك) بشكل عام، لأنها ستفتح الجدل من جديد على مرجعية الكثير من المشتقات البورصة وخصوصا السندات، بالإضافة إلى عمل البنوك فى حد ذاته، كما أنها ستطال قطاعين من أهم القطاعات فى البورصة وهما العقارات وشركاته وقطاع السياحة وشركاته على اعتبارا أنها تعتمد على القروض البنكية بالإضافة إلى بعض نشاطاتها لا يتوافق مع الشريعة.
ولفت النحاس إلى أن 90% من الشركات المقيدة فى البورصة حصلت على قروض من البنوك، وهى القروض التى يحرمها الإسلاميون ويعتبرونها ربا، ولذلك حتى لو وافقى على جانب من عمل البورصة وهو توزيع الملكية على عدد كبير من المالكين، وذلك فلا ضير من تداول هذه الأسهم، فإنهم سيحرمون التعامل على هذه الشركات نفسها بحجة أنها حصلت على قروض ربوية من البنوك، خصوصا وأن هناك من الفتاوى ما يحرم القروض البنكية على إطلاقها.
وانتقد النحاس ما قامت به إدارة البورصة من استضافة بعض المحسوبين على الأحزاب السياسية من الناحية التنفيذية فقط، بحجة إرسال رسال تطمين للمستثمرين فى السوق عن موقفهم من البورصة ومستقبلها خصوصا الأحزاب الإسلامية، مشيرا إلى أن معظم ممثلى هذه الأحزاب لم يكونوا من الهيئات العليا لها والذين تخرج عنهم المواقف بشكل نهائى، ورجح النحاس أن تكون المواقف التى أعلنوا عنها لأحزابهم مواقف شخصية أو مؤقته للاستهلاك الإعلامى فقط، خصوصا وأن انتخابات مجلس الشعب مازالت جارية.
وطالب النحاس البورصة والرقابة المالية باللجوء إلى الأزهر الشريف أو دار الإفتاء بشكل مباشر لمطالبتها بإصدار فتوى نهائية بخصوص عمل البورصة، ومدى حرمانيتها لإنهاء هذا الجدل بشكل كامل وغير قابل للنقاش مرة أخرى، وعدم الغنسياق وراء استطلاع أراء الأحزاب أو الكيانات السياسية بشكل منفرد عن مواقفها من البورصة مستقبلا حتى لا تخلق جدلا عقيما ومن غير المتخصصين، وهو ما سيثير البلبلة بين الناس بدون داع، أما إذا خرجت الفتوى من الأزهر أو دار الإفتاء فسيلتف حولها الجميع.
وقال النحاس إن التراجع الذى شهدته مؤشرات البورصة خلال تعاملات الأمس جاء رد فعل طبيعى للغموض الذى خرجت به مواقف معظم الذين حضروا لافتتاح جلسة البورصة، رغم التطمينات الشكلية التى ظهرت فى مواقفهم من البورصة، وهو ما جعل المستثمرون يفضلون الخروج من السوق وانتظار المواقف النهائية لهذه الأحزاب عندما تنتهى الانتخابات وتستقر الأوضاع.
أما إسلام عبد العاطى المحلل المالى فقال إن من يتحدث عن كون البورصة ربا فاحش ولا تمثل أهمية للاقتصاد جاهل بطريقة عملها وبأن كل المؤسسات الدينية فى مصر والعالم لا تعتبرها ربا ولا يعلم حقيقة عملها ولا دورها الاقتصادى، ومتجاهلا أنها تمثل ثلث الناتج المحلى الإجمالي، مشيرا إلى أن السبب فى هذه المشكلة هو إهمال العاملين فى البورصة أنفسهم فى الترويج للدور الحقيقى للبورصة المصرية.
كما أن عدد الشركات المدرجة يتجاوز 200 شركة أغلبها الأعظم نشط فى التداول ويتجاوز متوسط أرباحها السنوية 20 مليار جنيه ويتراوح متوسط العائد على التوزيعات البالغة نحو 12-14 مليار جنيه سنويا ما بين 8% و 12% ويبلغ متوسط مضاعف الربحية ما بين 7-9 مرات ويبلغ رأسمالها السوقى نحو 300 مليار جنيه بما يعادل نحو ثلث الناتج المحلى الاجمالى لمصر تتضمن نحو 30 مليار جنيه استثمارات أجنبية صافية تم اجتذابها خلال الأعوام الماضية.
بسبب غموض المواقف ..
شركات البورصة تتجاهل تطمينات "الإسلاميين" وتواصل خسائرها
الأربعاء، 28 ديسمبر 2011 09:10 ص