تأمل حالنا فى لحظتنا تلك، لتشعر بالخجل والعار، نعم بالخجل والعار، فنحن لم نترك شيئا صغيرا ولا كبيرا إلا اختلفنا حوله، فالاتفاق الوحيد المسموح به بين غالبية المصريين اليوم، هو الاختلاف. فالانتخابات مختلف عليها وعلى نتائجها وعلى تداعياتها، وصياغة الدستور موضع خلاف، واختيار الرئيس مختلف عليه، بل إن الاعتصام والتظاهر شمله السجال، وما يغيظك ويرفع ضغط دمك أننا لا نتوقف عن رفع قوائم مطالبنا الفئوية ناسين ومتجاهلين وضعنا الاقتصادى البائس، ولا يوجد احد لديه استعداد للصبر، فالكل يريد تلبية طلباته فى التو واللحظة، وأن لم تفعل فما أسهل قطع الطرق وخط السكك الحديدية ومحاصرة الموانئ.
ما سبق ليس بكاء على اللبن المسكوب، وإنما محاولة لإنعاش ذاكرتنا الوطنية بأننا نسير فى الاتجاه الخاطئ، وما دفعنى لإيراده سلسلة التصريحات التى أدلى بها الرئيس التونسى المنتخب منصف المرزوقى، لعدة وسائل إعلام مصرية، خلال الأيام القليلة المنصرمة، وأوضحت بجلاء كيف نجح الشعب التونسى فى تجاوز عثرات وعقبات خطيرة كانت ستقوده للتهلكة، لأن من بيدهم الحكم وضعوا نصب أعينهم غاية واحدة، هى صالح بلادهم، وتنحية خلافاتهم وأطماعهم حتى حين، بينما نحن غارقين فى بئر الأنانية والبحث عن المنافع الخاصة وليذهب الوطن ومستقبله للجحيم.
وانظروا معى إلى ما قاله المرزوقى ولخص فيه ـ بدون قصد بطبيعة الحال ـ الفارق الجوهرى فى تفكيرنا وتفكيرهم: "التعثر كان فى كيفية تصفية العهد البائد ـ نظام بن على ـ وكنا أمام خيارين: أما نصب المشانق والمحاكمات العسكرية، أو المحافظة على بقايا دولة بن على والتعامل معها بحكمة واستغلال بعض شرعيات الدولة القديمة إلى أن تولد الدولة الجديدة. وأضاف المرزوقى أنه من حسن حظ التونسيين أن التيارين الاسلامى والعلمانى تركا الخصومات العقائدية جانبا وركزا على التوافق على الدولة الجديدة، ومن ثم تفرغنا لمجابهة الأزمة الاقتصادية".
المعانى جلية غير محتاجة لشرح واستفاضة فى الإيضاح والدلالة، فالفرقاء فى تونس لم يشغلوا بالهم ولا وقتهم بقصص وخناقات من عينة ارتداء السياح للمايوه البكينى، وفرض الحجاب والنقاب، وتطبيق قواعد الشريعة التى لا نجادل فيها وفى عظمتها ومكانتها، وفى وجوب هدم كل ما له صلة قريبة أو بعيدة بدولة حسنى مبارك، والاحتكاك بالشرطة حينا والجيش حينا أخر، وأحاديث لا تنتهى عن إسقاط الدولة وهيبتها وشرعيتها.. الخ. ألا نشعر بالغيرة ولا أقول الحسد من التونسيين، ألم نفكر للحظة فى أنه لو كنا وجهنا طاقاتنا أبان الأشهر العشرة الماضية للبناء والتعمير لكان وضعنا أفضل ونقف على أرضية ثابتة تتحمل الارتقاء بها. لكننا انشغلنا بالدستور أولا أم الانتخابات أولا، ومواصفات الوزراء ورئيس الوزراء، وأخذنا ندور فى حلقة مفرغة، وفى منتصف الطريق سالت الدماء الطاهرة للمصريين ورحنا نفتش عن حقوق أصحابها ومن المسئول عن قتلهم، وليتنا نحظى بنسختنا المصرية من منصف المرزوقى فى القريب العاجل، عله يخرجنا من ورطتنا الآنية، ادعوا معى.