لا يزال الحديث عن أحداث التحرير، التى اندلعت يوم 19 نوفمبر، وما تبعها من أحداث مجلس الوزراء وقصر العينى، أمرًا بالغ الأهمية، بل إن التريث حتى انتهاء حدث جلل بمثل هذه الأهمية، أمر ضرورى، حتى يكون رصد نتائج تلك الأحداث أكثر دقة وبعيدًا عن الانفعالات.
تدفعنى أيضًا أسباب أخرى، للحديث عن أحداث 19 نوفمبر، والتى أفضل تسميتها بـ "انتفاضة التحرير"، أو بـ "الموجة الثانية للثورة"، ومن هذه الأسباب حالة الشماتة التى ظهرت لدى البعض، وكأن ثوار مصر الشرفاء الذين انتصروا فى 25 يناير فشلوا فى 19 نوفمبر، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق.
إن التحليل المجرد من أى أهواء، يشير إلى أن انتفاضة التحرير لم تنجح فى تحقيق "كل المطالب" التى رفعها الثوار، لكنها نجحت فى الوقت ذاته، فى تحقيق أهداف ومطالب ومكتسبات هائلة، ما كانت ستتحقق لولا تلك الانتفاضة.
لا أبالغ إذا قلت إن انتفاضة التحرير حققت نتائج سيذكرها التاريخ ويتوقف عندها، بعد أن استطاعت تصحيح الطريق نحو تحقيق أهداف ثورة 25 يناير، التى حاول البعض أن يختزلها فى مسألة "تنحى مبارك"، ومن هذه النتائج ما يلى:
أولا، نجحت انتفاضة التحرير فى إزالة الغموض بشأن الجدول الزمنى لتسليم مقاليد الحكم لسلطة مدنية منتخبة، بل وعجلت بموعد الانتخابات الرئاسية، فبدلا من إجرائها نهاية 2012 أو منتصف 2013، تعهد المجلس العسكرى بإجراء الانتخابات وتسليم السلطة، فى موعد أقصاه 30 يونيو 2012.
ثانيًا، تشكيل حكومة إنقاذ بصلاحيات غير مسبوقة، صحيح أن رئيس حكومة الإنقاذ لم يأتِ من ضمن الأسماء التى رشحها الثوار، كما أن اختياره كان صادمًا لتيار التغيير الرافض لأى شخص من النظام القديم، إلا أن الدكتور كمال الجنزورى حصل على دعم وتأييد العديد من القوى السياسية المؤثرة، كما أنه يحظى باحترام الشعب، ومشهود له بالنزاهة والإخلاص فى عمله.
وفضلا عن ذلك، فقد حصل الدكتور الجنزورى على صلاحيات رئيس الجمهورية، باستثناء ما يتعلق بالقوات المسلحة والقضاء، وبذلك تكون أغلب صلاحيات رئيس الجمهورية قد انتقلت بالفعل من المجلس العسكرى إلى سلطة مدنية، الأمر الذى يمثل أحد أهم المكتسبات التى تحققت منذ 25 يناير، على اعتبار أن ذلك يمثل خطوة هائلة، نحو تسليم الحكم لسلطة مدنية منتخبة.
ثالثًا، إنشاء المجلس القومى لرعاية أسر الشهداء والمصابين، والذى يُعد أيضًا أحد أهم ثمار انتفاضة التحرير، فما فجر تلك الأحداث هو التعامل الهمجى من قبل أجهزة الأمن مع أسر الشهداء والمصابين أثناء فض الاعتصام، والتعامل المستهتر من قبل بعض مسئولى الحكومة مع هؤلاء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل نجاح 25 يناير، واللامبالاة إزاء مطالبهم المشروعة فى معاش أو علاج أو حتى تكريم، وهو هو أمر لا يحتاج للمماطلة، بل هو أقل ما يمكن أن نقدمه لهم.
رابعًا، إصدار قانون إفساد الحياة السياسية، فعلى الرغم من المطالبات المستمرة، منذ فبراير 2011، بعزل الفاسدين، إلا أن المجلس العسكرى ظل مترددًا فى اتخاذ مثل هذا القرار، لكن مع اندلاع انتفاضة التحرير، وجد المجلس نفسه مضطرا لإرضاء الجماهير الثائرة، فأصدر القانون.
وعلى الرغم من أن القرار جاء متأخرًا، كما أن بنوده كان يمكن أن تكون أكثر حسما فى عزل أذناب النظام، إلا أن صدور القانون بغض النظر عن أى شىء هو خطوة مهمة، تفتح الطريق لعزل الفاسدين وتقنن محاسبتهم.
خامسًا، إجراء الانتخابات البرلمانية فى موعدها، فعلى عكس ما روج البعض من أن انتفاضة التحرير، ستؤدى إلى إرجاء الانتخابات، وأن المجلس العسكرى سينتهز الفرصة لإطالة وجوده فى الحكم، فإن انتفاضة التحرير جعلت المجلس العسكرى بين شقى الرحى.
إذ إن تأجيل الانتخابات كان سيؤلب التيارات الإسلامية والسياسية الداعمة للمجلس وقد يدفعها هى الأخرى إلى نزول الميدان، كما أن إرجاء الانتخابات لم يكن ليُرضى كل القوى المطالبة بالرحيل.
ومن هنا كان القرار بإجراء الانتخابات، بل والحرص على سلامتها ونزاهتها، باعتبار أن ذلك سيكون بمثابة برهان عملى من المجلس العسكرى على حسن نواياه ورغبته فى عدم الاستمرار فى الحكم، وهو ما سيرضى العديد من القوى السياسية من جهة، كما أنه سيخفف من الضغوط والمطالبات الداعية لرحيله الفورى من جهة أخرى.
سادسًا، أثبتت تلك الأحداث تمسك الشعب بثورته وإصراره على تحقيق الأهداف كاملة، وأدى ذلك، إلى توجيه رسائل قوية للداخل والخارج، مفادها أن الشعب المصرى لن يرضى سوى بسلطة مدنية منتخبة، خاصة بعد ما تردد عن وجود ضغوط من الخارج تهدف لاستمرار المجلس العسكرى فى السلطة، أو ما تردد فى الداخل عن وجود تيارين داخل المجلس العسكرى أحدهما يسعى لتسليم السلطة والآخر متردد.
سابعًا، جاء التفاف الشعب ونزوله لميدان التحرير، ردًا على استخدام قوات الأمن المركزي، للعنف المفرط، وغير المبرر، مع مصابى الثورة وأهالى الشهداء، ليؤكد أن هذا الشعب الذى ثار على القهر والفساد، بعد عقود طويلة، سيتجمع فى كل ميادين مصر، مرة أخرى، بدون تنظيم، وبدون موعد، إذا ما وجد أن هناك من يريدون إعادة عجلة الزمن إلى الوراء.
ثامنًا، كشفت انتفاضة التحرير أعداء الثورة والمتلونين، الذين انحنوا للعاصفة بعد 25 يناير، فمع اندلاع انتفاضة التحرير، ظهرت نوايا هؤلاء، وراحوا يرددون نفس ما كان يُقال قبل تنحى مبارك، من تشكيك وتخوين لشباب الثورة والموجودين فى ميدان التحرير.
صحيح أن هناك شرفاء كانوا غير داعمين لمطلب الميدان بالرحيل الفورى للمجلس العسكرى، لكنهم فى الوقت ذاته كانوا مؤيدين لمعظم، إن لم يكن كل المطالب الأخرى، ويشعرون بالاحترام والتقدير تجاه كل من فى ميدان التحرير، ولم ينجرف أحد من هؤلاء لما ردده أعداء الثورة والمشككين، الذين شعروا أن الفرصة مواتية لتصفية الحسابات مع خيرة أبناء الوطن .. الأبناء الشرعيين لثورة 25 يناير.
وأخيرًا، زيادة الوعى الجماهيرى، بأن سوء الأوضاع الحالية ليس بسبب الثورة، ولكن بسبب البطء والتردد وعدم اتخاذ خطوات جذرية تحقق أهداف الثورة، خلال المرحلة الانتقالية، فحتى جموع الشعب المتعاطفة مع الجيش، أو المتخوفة من رحيله الفورى، أعربت عن استيائها من عدم حدوث تقدم بعد الثورة، فى شتى نواحى الحياة، بل وحدوث تدهور على الصعيدين الاقتصادى والأمنى، وهو ما دفع الكثيرين للمطالبة بسرعة الانتهاء من الانتخابات وإعداد الدستور، حتى يتم تسليم السلطة فور اكتمال مؤسسات الدولة المنتخبة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد على
الشعب يريد
انشاء وزارة الأدب والأخلاق
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرية
اسمها ثورة مش انتفاضة
عدد الردود 0
بواسطة:
على عبد الناصر
فقدت الأمل
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن مصري
هل ستحقق أحداث مجلس الوزراء نتائج إيجابية مثل ما حققته انتفاضة التحرير؟
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد جمال ناظر مدرسة بجهينة
ثورة الشعراوى
عدد الردود 0
بواسطة:
z-yahya
الحل والله اعلم
عدد الردود 0
بواسطة:
يحيى
أصبت
عدد الردود 0
بواسطة:
ثائر وأفتخر
انتفاضة التحرير استكملت مكاسب ثورة 25 يناير
عدد الردود 0
بواسطة:
الغريب
لماذا