لقد سجل الاستحقاق الانتخابى التاريخى الذى احتضنته مصر نجاحاً ملحوظاً فى أول مرحلة من مراحل الانتخاب الثلاثة، وكان المشهد المصرى الذى نقلته الفضائيات ووكالات الأنباء مؤثرا، فالمواطنون لا يكادون يصدّقون أنهم يمارسون حقهم فى أول انتخابات حرة فى تاريخ البلاد، السواد الأعظم ممن شارك فى الاقتراع كان يفعل ذلك للمرة الأولى فى حياته بعيداً عن النتائج المعلبة والمعروفة مسبقاً، والتى كرسها النظام السابق أسوأ تكريس، نزل المصريون لجان الاقتراع وسط تعطّش انتخابى انعكس ظواهر غير مسبوقة من خلال نسبة الاقتراع الكبيرة التى سجلت والتى أشار إليها تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان إلى أن المرحلة الأولى شهدت ارتفاع نسبة مشاركة الناخبين بصورة غير مسبوقة فى تاريخ الانتخابات المصرية. انتهت المرحلة الأولى من الانتخابات وسط انبهار عربى ودولى غير مسبوق، لكن أهم ما تحقق فى مصر هو رفض الشعب لوصاية تلك النخب التى تتحدث دائما بأسم الشعب، فطالما صدعوا الرؤس بمقولة أن الشعب غير مستعد للديمقراطية وأن الشعب قاصر ويجب الوصاية عليه، وقد أظهرت نتائج الانتخابات أن الشعب قادر على الاختيار، الشعب الذى همش وتم التطاول عليه قبل الثورة وبعدها أيضا. خرج الشعب المصرى، نساء ورجالا، شبابا وشيوخا إلى الانتخابات، وانتظر الملايين الذين أدلوا بأصواتهم فى الانتخابات فى طوابير طويلة، دون أن يحدث ما يعكر صفو العملية الانتخابية، سوى بعض اللمم البسيط الذى تم تطويقه، فقد أظهر الشعب رشدا كبيرا سواء من حيث الانتظام فى صفوف فى هدوء أو حسن الاختيار.
ولا شك أيضا أن مصر عاقبت من خلال نتائج التصويت العهد البائد، فكثافة المشاركة الشعبية فى التصويت وتحقيق نصاب تاريخى للمشاركة تؤكد على أن الشعب كان مقموعا فى العهد البائد، أما عن بعض الاتهامات التى روج عنها الليبراليون وهو الحديث عن استخدام المقدس و"استغلال المساجد" وهى تهمة ليست جديدة يلصقونها للتيارات الإسلامية، وهذا مسلسل ممل لن ينتهى من مسلسلات الهجوم على الإسلاميين.
فالزمرة الليبرالية لم تترك فرصة للكيد للإسلاميين إلا وأقدمت عليها، لحرمانهم من الفوز بأول انتخابات فى مصر بعد سقوط النظام، انطلاقًا من إدراكهم لاستحالة مقارعتهم فى انتخابات حرة نزيهة، فلجأوا لوسائل أكثر شراسة لعرقلة العملية الانتخابية، بدءًا من تأجيلها عن موعدها، والعمل على خلق اضطرابات سياسية وأمنية، والتذرع بهذه الفوضى لتأجيل الانتخابات وإشاعة أجواء الخوف لإيجاد مبرر قوى لتأجيل الانتخابات، وواصل الليبراليون وضع العقبات أمام صعود الإسلاميين وما زالوا يحاولون على أمل النجاح فى فض القواعد الشعبية عن القوى الإسلامية، وفى مقدمتها حزب الحرية والعدالة، واستعادة صدارة المشهد المصرى بعد أكثر من50 سنة فشلوا خلالها فى تقديم شىء ذى قيمة للشعب المصرى.
لم يكتف الليبراليون بذلك؛ بل عملوا على تكريس حالة من الفوبيا من الإسلاميين بين قطاع عريض من الرأى العام، وتخويفه من المخاطر الجمة التى تهدد علاقات مصر الدولية فى حالة اعتلاء الإسلاميين سدة المشهد، وتمهيد السبيل كذلك لإمكانية دخول العسكر على خطى الأزمة بانقلاب عسكرى يعيد الأزمة المصرية للمربع الأول، وكذلك يواصلون العزف على هذا الوتر نفسه عله ينجح فى مبتغاه فى الحد من التعاطف الشعبى مع القوى الإسلامية، بسبب دورهم الكبير فى خدمة شعبهم، رغم القهر الشديد الذى تعرضوا له خلال النظام البائد، حيث تواصلت حملة منظمة ممولة من جهات فى وسائل الإعلام والفضائيات المصرية والأجنبية تحذر من هذا السيناريو، والعمل على حث المصريين على تعديل نمط تصويتهم خلال المرحلتين القادمتين من الانتخابات، والعمل على إيجاد برلمان متوازن لا يعطى فرصة للإسلاميين لفرض وجهة نظرهم على الدستور القادم وقد قدمت تلك الحملات تأكيدًا لا يقبل الشك على الدور الذى يلعبه المال خلال الانتخابات، سواء من التيارات الليبرالية أو من فلول النظام، واستغلال الأوضاع الاقتصادية التى يعانى منها المصريون، لحضهم على دعم مرشحين بعينهم، وهى خطوات لاقت صدودًا من أجنحة واسعة داخل الرأى العام المصرى، بحسب أحدث استطلاعات الرأى فى البلاد، والتى أشارت إلى أن الإسلاميين هم فرس الرهان فى الانتخابات لقد اعترف شق من الليبراليين بهزيمتهم، وهم الذين بنوا حملتهم الانتخابية على التخويف من الإسلاميين، وبالتالى فإن نتائج الانتخابات هى هزيمة لتلك الأيدولوجيات التى فضحت ضعفهم وعجزهم عن مقارعة أصحاب الشعبية الحقيقيين، بعيدًا عن الشعارات الجوفاء التى شنف بها الليبراليين آذان شعوبهم طوال 50 عامًا، كما هى هزيمة لبعض الأحزاب الانتهازية التى تحالفت مع الحزب الوطنى المنحل أو بقايا الحزب الوطنى ضد الإسلاميين.
لذلك ينتظر أن تغير بعض الأطراف مواقفها فى المراحل القادمة، فكل تلك التخرصات ساهمت فى ارتفاع شعبية التيارات الإسلامية وقادتها للفوز، فهل الفلول ومن يتحالف معهم من الغباء مما يجعلهم يكررون نفس السيناريو فى المستقبل؟ انتظروا إنا معكم منتظرون.
م.عبد الله الدمياطى يكتب: انتظروا إنا معكم منتظرون
الأربعاء، 14 ديسمبر 2011 01:13 ص