قبيل ثورة 23 يوليو بأيام، أرسل جمال عبدالناصر أخويه الليثى وشوقى إلى أحمد حمروش الذى كان يعمل آنئذ فى الإسكندرية، ليطلبا منه الحضور إلى القاهرة لمقابلته، وكان هذا أمرا غريبا لأن عبدالناصر لم يكن يعتمد على المدنيين فى الإعداد للثورة، ولم يكن يعرف بأمرها إلا شخص مدنى واحد، هو القاضى أحمد فؤاد.
وذهب الليثى وشوقى إلى بيت الضابط أحمد حمروش، وأسرا له بالرسالة الهامة، واستجاب للدعوة، وسافر إلى القاهرة، ولما لم يجد عبدالناصر فى البيت، انتظره فى الشارع، وأبلغه عبدالناصر بأنهم قرروا التحرك فى ليل 22، وأنه يكلفه بمسؤولية الإسكندرية.
وما حدث بعد ذلك يعتبر لغزا:
أحمد حمروش قال إنه كان عضوا فى منظمة «حدتو» الشيوعية، وبالتالى لا يمكن أن يشارك فى عمل بهذه الخطورة، دون أن يستأذن المنظمة، ولم يكن الوقت كافيا، فضلا عن إنها أى - حدتو - كانت ضد استخدام العنف والانقلاب، وكانت تعد لثورة شعبية.
وقال بعضهم أن التكليف كان مرعبا، لأن الإسكندرية آنئذ، كانت هى العاصمة الحقيقية. فالملك هناك ومجلس الوزراء هناك، وتكليف ضابط واحد بالسيطرة على الإسكندرية أمر مستحيل.
وطالما ناقشت أحمد حمروش فى هذه النقطة، وناقشته فى غيرها من تاريخ ثورة يوليو وكان ذهنه حاضرا دائما، كما لو كان ما أسأله عنه حدث بالأمس، وكان يتكلم كما لو كان ما يقوله يسجل له أو عليه.
وإذا كنت لم تعرف أحمد حمروش، فلا شك أنك خسرت كثيرا، فأنت أمام رجل يستيقظ فجرا، ليبدأ ممارسة الحياة والعمل، وبالتالى يعود إلى بيته فى الثامنة مساء.
وأذكر أن المسرح القومى - رحمه الله - كان قد أقام احتفالية بأحمد حمروش، وذلك لأنه ترك أكبر بصمة لمدير على هذا المسرح، ودعينا إلى المسرح فى الساعة الثامنة، فتساءلنا جميعا.. هل يحضر المحتفى به؟! وأكد أكثرنا أنه لن يأتى. بل وجه إليه البعض اللوم لأنه لم يحضر، ولكنه خيب ظن الجميع وحضر، وتحدث معنا، لكن للأسف اختفى قبل الاحتفال الذى حضرناه دون صاحبه.
ومسرح الستينيات الذى نتحدث عنه كثيرا، يعتبر حمروش صاحب فضل كبير فى تألقه، وكان هذا أيضا مما ناقشته فيه، خاصة فى منظمة التضامن المصرية، وكنت عضوا فيها،- ومن لا يحب أن يكون عضوا مع أحمد حمروش - ولذلك كان يدعونى أحيانا لاجتماعات فى وقت مبكر، وفى غالب الأمر، كنت أصل متأخرا، فنتحدث معا، قبل أن ينتفض منصرفا قبل الثانية عشرة.
مما قاله حمروش - وغيره - أنه خاطب الكتاب، وطلب منهم أن يكتبوا للمسرح، وتابعهم.. وأيضا بدأ يبحث عن كتاب جدد، وكان سعد الدين وهبه مثلا قد كتب مجموعة قصصية بعنوان «أرزاق»، وكتب عنها عميد نقاد هذا الوقت الدكتور محمد مندور، وتساءل لم لا يكتب هذا القاص للمسرح، فهو يجيد إدارة الحوار، وجرب سعد الدين وهبه حظه، فكتب مسرحية «المحروسة» وظل فترة طويلة أحد نجوم المسرح القومى.
أيضا استعاد نعمان عاشور من القطاع الخاص الذى كان ضعيفا آنئذ، والاثنان عاشور ووهبه، كان لهما مكان مستمر على خشبة المسرح، فضلا عن عشرات الكتاب والمخرجين.
ومرت على أحمد حمروش نكبات كثيرة لم يكن يتحدث فيها أبدا. فى البداية كان فقدانه لابنه الدكتور علاء الذى كان له نشاط فى عالم الطفل، وكان صدمة لنا جميعا.
وأذكر أنه فى ذلك الوقت كان هناك شئ ما له علاقة بالطفل، وكانت ترأس الشئ الذى لا أذكره السيدة سوزان مبارك، وكانت آنئذ فى صورة جميلة، إذ كانت تقوم بأعمال اجتماعية وفى تدافع، وقام أحد أساتذتنا العظماء ليقول: إننا فى هذه المناسبة، لا يمكن أن ننسى الشهيد علاء مبارك! طبعا كان يقصد علاء حمروش، وضجت القاعة، وحاول الجميع تصحيح الاسم، كل ذلك ونظراتى ثابتة على السيدة التى لم يرتعش لها جفن فخرجت لأقول لأصدقائى: ياويلنا من هذه السيدة؟!
وبعد فترة قصيرة توفيت ابنة حمروش، ومثلما فعل مع ابنه الدكتور علاء لم يقم عزاء، لم أسأله عن السبب، وبعدها توفيت زوجته، وأدركت أن النصال تكسرت على النصال، وأن الجندى الذى كان يدب بقدمه على الأرض حتى الثمانين، لم يعد قادرا على الاحتمال، وأن القلب امتلأ بالحزن الذى كان يرفض أن يشاركه فيه أحد.
عندما بدأت كتابة هذه السطور، أردت أن أتحدث عن كيف أرخ أحمد حمروش لثورة يوليو، ولكن الرجل كان أعظم حتى مما كتبه، وما كتبه أعظم مما كتبه كثيرون.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مسافر زاده الخيال
حصان طروادة الجديد