د. رضا عبد السلام

الحرية المطلقة.. مفسدة مطلقة!!

الأحد، 20 نوفمبر 2011 10:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سبق وأن حذرت على صفحات هذه الجريدة المحترمة – عقب قيام الثورة مباشرة – من احتمالات دخول مصر فى موجات من التطرف والتطرف المضاد (مثل مقال هل مصر مقبلة على الوقوع فى براثن كارثة التطرف؟) وها هى الأيام تمضى، ومع كل يوم يمر ندرك أننا نمضى بقوة نحو المجهول. فقد غابت مصر تقريباً عن المشهد، وحل محلها شِيَع وجماعات وتيارات يكفر بعضها بعضاً، ويطعن بعضها بعضاً، إما فى الدين أو فى الوطنية أو الانتماء، وكأنهم يحملون بأيديهم صكوك الغفران، وفى المقابل خرج من الساحة أصحاب الفرح الحقيقيون، أولئك الذين أشعلوا الثورة، وضحوا بكل غالٍ ونفيس فى سبيل تحقيق أهدافها!

كان من الطبيعى أن تفرز تلك البيئة الموبوءة ما يسمى بالتطرف المضادCounterterrorism ، الذى سبق وأن حذرت منه!! ولهذا أنا لم أعجب من خبر ظهور شابة مصرية مسلمة "عارية تماماً" على شبكة الإنترنت، وتدعوا الآخرين ليحذوا حذوها!! إنه التطرف والتطرف المضاد، إنه الجهل والتخلف على الجانبين!! مؤكد أن البيئة مهيأة تماماً لكلا الطرفين. فجماعات الإسلام السياسى - التى تتخذ من الدين مطية لتحقيق مآربها السياسية - تدرك تماماً أنها تلعب مع شعب متدين بطبعه، ولكنه يغرق فى الجهل والفقر، ومن ثم فهو فريسة سهلة لأصحاب تلك التوجهات. وأتمنى أن يخرج أحداً ويناقضنى أو يناقشنى "مناقشة موضوعية" بشأن تلك الحقيقة المؤلمة!!

وعلى الجانب الآخر، كان من الطبيعى أن يفرز هذا التغول والغلو والابتعاد عن الوسطية اتجاهاَ آخر يكفر بالأديان وبما تحمله من قيم. أليس كذلك؟! فكما يتجاهل أصحاب التيارات الدينية الآخرين، ويعتقدون أنهم يحملون الحقيقة المطلقة وصكوك الغفران، وأن من يخالفهم الرأى إما كافر أو علمانى (كافر أيضاً حسب وصفهم)، وكأن هذا الدين العظيم لم يولد إلا على أيديهم، تجاهلت تلك الفتاة (المتطرفة فى انحلالها) قيم المجتمع وعاداته وشرائعه. اعتقدت هى الأخرى أن منطق الحرية أن تفعل كل ما يحلو لك، بغض النظر عما إذا كان هناك ضرر أو إهانة لقيم ومشاعر الآخر، وقبل كل هذا الشرائع السماوية.

فكما تعلمنا ونعلم أبناءنا فى علم الاقتصاد، أن العالم ولى وجهه شطر المشرق وطبق الاشتراكية التى صادرت الحرية، إلا أنها سرعان ما انهارت وأفل نجمها (1989م)، ثم ولى العالم وجهه قِبَل المغرب فوجد الليبرالية أو الرأسمالية، التى تدعو إلى الحرية شبه المطلقة، ولكنه ما لبث أن وقع فى براثن أزمة (الأزمة العالمية 2008) فاقت فى حدتها أزمة الكساد العظيم (1929م). إنه التطرف فى الحرية، والتطرف فى مصادرة تلك الحرية!! فكان من الطبيعى أن نشهد الانهيار فى كلا المعسكرين. ولهذا يطالب الاقتصاديين العقلاء بتبنى منهجاً وسطاً يؤمن بالحرية، ولكنها الحرية المقيدة بقيم وضوابط تشرف الدولة على ضمانها، وإلا ستتحول الحرية إلى فوضى (كما حدث فى 2008م)، فالحرية المطلقة مفسدة مطلقة!
لا يختلف الوضع على الصعيد الاجتماعى والدينى. فما نشهده فى مصر الآن، وللأمانة منذ أكثر من عقدين، أنها ماضية باتجاه الابتعاد عن الوسطية سواء على الصعيد الاجتماعى (حيث التفاوت الصارخ بين الطبقات وتلاشى الطبقة الوسطى) أو على الصعيد الدينى، حيث الصعود الملفت لتيارات دينية بعينها، فى مقابل تراجع وربما تلاشى دور "مؤسسة الأزهر" التى جسدت لقرون طويلة وسطية الإسلام واعتداله.

فى ظل تلك البيئة الملوثة، طبيعى أن يخرج علينا العشرات - وربما الآلاف - من أمثال علياء المهدى، وفى المقابل يتخشب آخرون ويعودون بدينهم وبمجتمعهم إلى الوراء، اعتقاداً منهم بأنهم حملة لوائه، وأن من يخالفهم الرأى إما ملحد أو كافر (تطبيقاً لمنطق جورج بوش مَن ليس معنا فهو عدونا)، وبالتالى ارتفاع صوت الأقباط – وخاصة المتطرفين منهم – للمطالبة بحمايتهم من بطش التيارات الإسلامية!! وتكون المحصلة النهائية ضياع مصر، وضياع الحلم الذى لطالما حلمنا به!!

وحتى لا يبادر المتحذلقون والمتشنجون بالنقد، أؤكد أن كاتب المقال مسلم، يؤمن بقدسية وعظمة دينه العظيم، وأنه لابد وأن تشكل شريعته المصدر الرئيس للتشريع، فضلاً عن أن الرؤية الإسلامية المعتدلة لم تغب عن أى من مؤلفاتى العلمية، ولكنى أؤمن أن صلاح حال مصر وعودة روح الوسطية إليها وخروجها مما هى فيه لا يمكن أن يتم على يد الجماعات الدينية، أو على يد دعاة الانحلال من أمثال علياء المهدى.

وعليه، فإن صلاح حال مصر لن يكون إلا باندماج كل تلك التيارات والتوجهات ضمن منظومة الدولة وتحت لواء الأزهر الشريف تحديداً. عندها سيعود الهدوء إلى كل ربع من ربوع مصر، وستعود روح الوسطية لتدب من جديد. فكما أن أصحاب التيارات الدينية ليسوا أحراراً فى فرض وجهة نظرهم، فإن أصحاب التيارات التغريبية والمنحلين ليسوا كذلك. ليس هناك ما يسمى بالحرية المطلقة، لأنها وكما عنونت المقال "مفسدة مطلقة". فهل نفيق من هذا الكابوس لنخرج مصرنا الحبيبة من هذه الدوامة التى يعلم الله وحده إلى أين ستقودنا؟! اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة