صلاح عيسى

مقعد فى أعلى التياترو

الأربعاء، 02 نوفمبر 2011 04:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رحل «أحمد حمروش» فى الأسبوع الماضى قبل أن تتاح لى الفرصة التى كنت أنتظرها لأعترف له بالدور المهم الذى لعبه فى حياتى، ولأشكره لأنه كان واحدًا من كثيرين فتحوا أمامى باب السير فى طريق النشوات العليا، فسعدت به، ودست فى أشواكه، ورضيت به فى كل الأحوال.

كنت فى الثالثة عشرة من عمرى حين صدر - بعد ثلاثة أسابيع من قيام ثورة 23 يوليو 1952 - العدد الأول من مجلة «التحرير» لتكون لسان حال ما كان يعرف أيامها بـ «حركة الجيش»، ولأن غلاف المجلة لم يكن يحمل - كعادة المجلات المصورة فى ذلك الزمان - صورة لامرأة جميلة من سيدات المجتمع أو نجمات هوليوود، أو حتى لشخصية سياسية بارزة، بل صورة لمجموعة من الفلاحين الحفاة، الذين أرى مثلهم فى قريتى، فقد اجتذبنى لشرائه!

وما كدت أقلب صفحاته حتى وجدت بين يدى مجلة مختلفة، يحرر معظم موادها صحفيون شبان، كان الكثيرون منهم يخطون أولى خطواتهم فى عالم الصحافة، كان على رأسهم اليوزباشى «النقيب» «أحمد حمروش»، وتهتم بعالم مختلف عن العالم الذى تعودت أن أقرأ عنه على صفحات أمثالها من المجلات المصورة، فلا تقارير عما يجرى من مشاورات بين أقطاب السياسة فى الفنادق الفخمة، ولا حوارات مع فنانات حول ما يحتويه دولاب ملابسهن من فساتين، بل ريبورتاج عن أحوال الفلاحين الذين يعملون فى التفاتيش الزراعية الكبيرة، وتقارير عن حركة «الماو ماو» التى يقودها «جومو كينياتا» وتهدف لتحرير «كينيا» من الاستعمار، وعن الصراع بين الملك «محمد الخامس» وعملاء الاستعمار الفرنسى فى مراكش، وقصة لـ «يوسف إدريس»، ومقال لـ «طه حسين»، يطالب فيه قادة حركة الجيش بأن يتخففوا من الحرج الذى يدفعهم للإصرار على وصف ما قاموا به فى 23 يوليو بأنه «حركة» أو «نهضة»، وأن يطلقوا عليه الاسم الذى يستحقه وهو أنها «ثورة».. وكان مع العدد ملصق هدية يصور جنديّا شال السلاح وتحته عبارة «الجيش يحمى الدستور».
ومع أن اسم «أحمد حمروش» قد اختفى من رئاسة تحرير «التحرير» بعد أن اعترض عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة على «التوجه اليسارى» للمجلة، فقد ارتبط اسمه فى ذهنى بذلك النوع من الصحافة، الذى يهدف لتثقيف القارئ وإيقاظ وعيه، وليس لتسليته وتغييب وعيه، فأخذت أشد الرحال خلف صحافة «أحمد حمروش - النوع والشخص - فعثرت على عدد غير قليل منها، وعثرت عليه هو نفسه بعد حوالى ثلاثة أعوام، أمضى بعضها سجينًا، وبعضها الآخر يدرس فى «كلية أركان الحرب»، عندما أصدر - فى بداية عام 1956 - مجلة شهرية باسم «الهدف».

كانت مطبوعة ثقافية رائدة، تجمع بين الاهتمام بالدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبين الاهتمام بقضايا الأدب والفن والثقافة.
وفيما بعد التحق «أحمد حمروش» بأسرة تحرير جريدة «الجمهورية»، تولى رئاسة تحرير «كتب للجميع» وهى سلسلة كتب شهرية فجدد شبابها، ونشر أعمالاً لكتاب مختلفين، ثم حولها إلى مجلة ثقافية وغير اسمها إلى «الكاتب»، وتولى رئاسة تحرير «روزاليوسف» لعدة سنوات فى الستينيات.

كان «أحمد حمروش» عضوًا فى تنظيم الضباط الأحرار، ينتمى إلى الجناح اليسارى منه، الذى أقصى عن المناصب التنفيذية فى حكوماتها ومؤسساتها، بسبب مساندته - خلال أزمة مارس 1954 - لمطلب عودة الجيش لثكناته، فنشط مع آخرين ينتمون إلى تيارات قريبة من رؤاه، على جبهة الثقافة فى محاولة لتأسيس وعى مختلف، يجذب الثورة يسارًا، ويوازن ضغوط التيارات اليمينية التى كانت تحاول اجتذابها نحو فاشية عسكرية صريحة.
وربما لا يتذكر كثيرون أن «أحمد حمروش» كان هو الذى وضع حجر الأساس فيما أصبح يعرف الآن بـ «نهضة المسرح المصرى فى الستينيات» عندما تولى إدارة المسرح القومى فاتجه بعروضه بعيدًا عن الكلاسيكيات المترجمة، ليقدم أعمالاً عصرية لـ «شتاينبك» و«آرثر ميلر» و«هوارد فاست»، وأعمالاً مؤلفة للجيل الذى صنع هذه النهضة مثل «نعمان عاشور» و«ألفريد فرج» و«سعد الدين وهبة».

أما أنا فلا أنسى أن «أحمد حمروش» قد أتاح لى، آنذاك، أن أدخل المسرح وأن أشاهد عروضه، بعد أن خفض سعر التذكرة، فاستطعت أن أحصل على مقعد فى أعلى التياترو، وأن أشاهد أمينة رزق وحسين رياض وسميحة أيوب وسناء جميل، وسط حشد من تلاميذ المدارس والعمال والعوام، ولم أدفع سوى سبعة قروش فقط، كانت كل المصروف الذى أتقاضاه فى الأسبوع.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة