فى قمة انتخابات تونس اتصلت بصديقى أسأله عن موقفه فى هذه الانتخابات. فقال لى إن النتائج لم تظهر بعد، وإن كانت الدلائل الأولى غير مطمئنة، فالإسلاميون- كما لو كنا نحن لسنا إسلاميين- يسيطرون على الموقف، ولكن ربك كريم.
وظهرت النتائج، وكما نعرف جميعا، فاز حزب «النهضة» بأغلبية جعلت الأمور بين يديه، ورأيت من باب الذوق عدم متابعة الاتصال، فلو كان الموقف طيبا لاتصل ليخبرنى بما يحدث، وعندما طال صمته أدركت أنه قد سقط فى الانتخابات، وأنه وحزبه لم يعد لهما مكان.
وصديقى هذا شاب خرج من بلاده إلى أوروبا، حيث أكمل دراسته وحصل على الدكتوراه، وهو فى العشرينيات، وعمل فى أعمال تتبع دراسته، وبعضها لم يدرسها، وحصل على أجور كبيرة من أعمال، ولم يحصل على شىء من نشاطات قام بها، وظل طوال الوقت مرتبطا بوطنه، وبالوطن العربى كله، وعندما قامت الثورة التونسية نقل نشاطه فوراً إلى تونس، وفى مكالمة مبكرة حذرته من الانحراف فى أمور السياسة. رأى شخصى، ربما كان خاطئاً، لكننى أرى أنه يناسب بعض الأشخاص، وفاجأنى صديقى التونسى بأنه مرشح على قائمة حزب من الأحزاب الجديدة.
وأخيراً اتصل بى صديقى ورأيت، رغم أن التليفون لا ينقل الصورة، أن الإرهاق قد أصابه من المعركة، وأنه يبدو كالمريض.
قال لى: «طبعا عرفت النتائج، أتعرف؟ لقد قمنا بثورة عظيمة، تمردت على نظام دام عشرات السنين، والآن نحن فى حاجة إلى عشرات السنين لإصلاح ما أصاب الثورة». قلت- فقط ليحس أننى على التليفون-: «وما أصاب الثورة؟»، قال: «الانتخابات؟»، قلت: «تزوير؟»، قال: «لا أظن، أستبعد هذا، ولكنه مع ذلك شبه تزوير».
سألته: «وكيف كان ذلك؟»
وقال صديقى التونسى: «أنا من أكثر المرشحين فى حزبنا إنفاقا على الانتخابات، ولقد أنفقت على حملتى الانتخابية حوالى عشرة آلاف دولار، وبعضهم اتهمنى بالسفه، وأنت تعرف أن هذا المبلغ يوازى خمسين ألف جنيه، فى حين أن المرشح النهضوى كان ينفق مئات الآلاف من الدولارات وربما أكثر، ولقد عرفت فى سنواتى الأخيرة أنك فى حاجة إلى المال لتصنع به أى شىء، حتى لو كان ندوة صغيرة عن الشعر الحديث».
هذه واحدة. والثانية- هكذا قال صديقى التونسى- «قضية التنظيم. أنا أتعامل مع بشر بعد عدة ساعات من العمل يتعبون ويميلون إلى الراحة، أو ينصرفون عن أماكنهم، مثلاً، كان هناك زحام شديد فى المقر الانتخابى، وأنصارى رأوا أن الوقوف فى الطوابير عبث وتعب، ومعظمهم انصرف على أن يأتوا وقد هدأ الزحام، لكنهم عندما عادوا- وبعضهم لم يعد كسلا- رأوا الزحام أشد، وقفوا قليلاً، وانصرف أكثرهم. الإخوة هناك لم ينصرفوا وظلوا واقفين حتى أتى دورهم، لماذا؟، لأنه إذا صبر وأعطى صوته للنهضة دخل الجنة مرحبا به من الملائكة، أما إذا تقاعس أو انصرف ألقى فى جهنم وبئس المصير، وجاورنى وأنصارى، وعذبوه معنا».
هذا هو الموقف يا صديقى، لقد فاز النهضة بالتنظيم الجيد، والمال الوفير، والوعد بالجنة، وخسرنا باللامبالاة والفقر.
قلت له: «لعله خير»، وتذكر أننى لم أكن موافقا على ترشحه! لكنه قال فى غضب: «هذه ليست النهاية بل البداية، تعلمنا مما حدث، والشعب التونسى الذى وضع النهضة على أكتافه لن يحتملهم لأنهم غير صادقين فى انفتاحهم وقبولهم للمرأة وللسياحة وللفنون، وسيكتشف المجتمع أنه فى السنوات المقبلة قد تأخر أكثر من كل أيام زين العابدين، يا صديقى لقد فتحنا النار على أنفسنا، والثورة حتى تحقق أهدافها تحتاج سنوات طويلة.. وأنتم ماذا عن أخباركم؟»، وضاع الصوت فأخذ كل منا يصرخ.. آلو آلو!
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن محروق الدم
والله لو حصل من الاسلاميين ايه لن ترضوا عنهم
عدد الردود 0
بواسطة:
طه الرويعي
لن يتغيروا ، ولذلك لن يستطيعوا أن يغيروا .
عدد الردود 0
بواسطة:
يحيي رسلان
وسيحدث ذلك في مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
mohamed
الحمد لله
عدد الردود 0
بواسطة:
مدام / جيهان
يارب تكون الرساله وصلت وتم فهمها!!!!!!
عدد الردود 0
بواسطة:
ناصر
راشد الغنوشى كان ناصريا ثم انقلب الى التيار الاسلامى وبعد فوزه فوجئت به يقوم بزيارة قطر !!
عدد الردود 0
بواسطة:
يحيي رسلان
الي رقم 6
عدد الردود 0
بواسطة:
nadou journaliste
لست في مستوى الصداقة
و هل انت متأكد بانك صديق !!!!!! فعلا و النعم