مثقفون فى ذكرى ميلاد "إدوارد سعيد": الثورات العربية حققت حلمه

الثلاثاء، 01 نوفمبر 2011 08:34 م
مثقفون فى ذكرى ميلاد "إدوارد سعيد": الثورات العربية حققت حلمه المفكر الراحل إدوارد سعيد
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يكفى أن تذكر اسمه، فتتذكر على الفور قضية المثقف ودوره وفاعليته فى المجتمع المعاصر والضغوط والكوابح التى تعمل على تحجيم هذا الدور، وتهميش تلك الفاعلية، سواءً فى المجتمع المتقدم أو المجتمع المتخلف، ولهذا ظل طوال حياته مشغولاً بهذه القضية، نتيجة لإيمانه بأهمية هذا الدور فى المجتمع وخطورته، وتكفى الإشارة إلى أنه من دون المثقف لم تكن لتشتعل أية ثورة رئيسية فى التاريخ الحديث، وفى المقابل لم تقم أية حركة مضادة للثورة دونهم كذلك.

هو "إدوارد سعيد" أستاذ الأدب المقارن فى جامعة كولومبيا، والكاتب والناقد والأكاديمى الفلسطينى الأمريكى المعروف، الذى تحل اليوم، ذكرى ميلاده السادسة والسبعين (1 نوفمبر 1935 - 25 سبتمبر 2003)، ويرى عدد من الأدباء والمثقفين، أنه لو كان حيًّا بيننا اليوم، لتأكد من مصداقية مشروعه بفعل الربيع العربى الذى نشهده، والذى رسخ لمفاهيمه ومبادئه طوال حياته.

وقال الناقد الدكتور صلاح فضل، رئيس الجمعية المصرية للنقد الأدبى، مع أن "لو" تفتح باب الشيطان، غير أنها كذلك، تفتح باب الخيال والتصور، وإدراك الأشياء بمنظور الماضى والمستقبل، وفى تقديرى أن "سعيد" لو قدر له أن يرفع رأسه اليوم فسوف يتأمل المشهد المعرفى فى العالم وفى فلسطين، والمشهد العربى، موضحًا، أما المشهد فى العالم فسوف لا يدهشه كثيرًا لأن إيقاع التقدم العلمى واستمرار السياسات العالمية وتفاقم الأزمات المالية، أمور كان يعرف أنها ستبدو أشدَّ كثافة وأسرع فى معدلاتها، وسوف يسعد بها، ويهزّ كتفه علامة على أن كل ذلك كان متوقعًا.

وأضاف: أما بالنسبة للمشهد الفلسطينى فسوف يفرح، لأن بلده شرع فى تحقيق وجوده على خارطة الأمم المتحدة، بالحضور الثقافى أولاً فى "اليونسكو"، وسوف يعجب من أن رئيسًا مثل "أوباما" ظل عاجزًا عن مقاومة مؤسسات الضغط اليهودية، واستمر فى استخدام حق "الفيتو" والتهديد به لصالح الظلم الإسرائيلى وإنكار الحق الفلسطينى، كما يشعر بكثير من الألم لرحيل صديقه "محمود درويش"، لكنه سوف يردد بيت الشاعر العربى لو خطر على باله "فإذا الدنيا كما نعرفها وإذا الأحباب كل فى طريق".

وقال "فضل" أما المفاجأة الحقيقة بالنسبة له فستكون هى ثورات الربيع العربى، حيث لم تمتد أحلامه إلى أن تتحرك هذه الشعوب بشكل جماعى سلمى حينًا، ودمويًا حينًا آخر، نشداناً للتحول الديمقراطى، وتعصف فى هبات جماهيرية مذهلة بنظم ديكتاتورية عالية، وسوف يتساءل: كيف توفرت أسابها فى تونس أولاً؟، وانتقلت خلال شهر واحد نيرانها إلى مصر؟، ثم اختارت ليبيا واليمن وسوريا لتشتعل فيها بهذه الطريقة؟، فيأسف قليلاً لأن الليبيين لم يتمكنوا من حماية أنفسهم من مجنونهم العقيد القذافى إلا بمظلة "الناتو"، وسيقول:"ها هى شعوب المنطقة مرةً أخرى تحتمى من حكامها المستبدين بمستعمريها الأقدمين، فهل ستستطيع أن تتخلص من أطماع هؤلاء المستعمرين أو أنها ستدفع مستقبلها رهينة بهذه الفاتورة باهظة الثمن؟".

وتابع: وربما لن يستطع "سعيد" مثلنا أن يتخيل نهاية الدراما السورية التى ارتكب نظامها من المجازر أكبر بكثير مما كان يتوقع منه كى يستمر فى السلطة، وعلى أى حال، سيعتبر هذه الثورات دليلاً حيًا على أن الشعوب لا تموت، وأنها قد قررت الخروج من عباءة العصور الوسطى لتدخل العصر الحديث بحرياتها السياسية والاجتماعية فيرضيه ذلك قليلاً، وإن كان سيرى أن الثمن الذى تدفعه هذه الشعوب فى سبيل تحررها من المستبدين من أهلها أغلى بكثير من الثمن الذى دفعته للتحرر من الاستعمار القديم فيتأكد له أن نظريته فى أدب ما بعد الاستعمار تكتسب أرضًا جديدة كل يوم وتتأكد مصداقيتها مما سيجعله يشعر بالرضا ويعود إلى نومته هادئًا قرير العين.

وقال الشاعر عبد المنعم رمضان لو كان "إدوارد" بيننا فكان هناك ما سوف يسره بعض الشىء، وهو قبول فلسطين فى هيئة اليونسكو، ربما يكون هذا تمهيدًا لقبولها فيما بعد فى الأمم المتحدة، ولعل "سعيد" كان سيرى ما أراه من أن هيئة "اليونسكو" وهى المنظمة الثقافية بينما هيئة الأمم هى المنظمة السياسية الأم، والصراع بين أمريكا وفرنسا على قيادة المنظمتين، وينتهى دائمًا إلى أن تقود أمريكا المنظمة السياسية، بما أن السياسة فعلٌ بربرى، وأمريكا حضارةٌ بربرية، بينما فرنسا تتزعم عالم الثقافة وحضارتها الأكثر تقدمًا، وأظن أن هذا كان سيوافقنى عليه "سعيد".

وأضاف "رمضان" أما الربيع العربى، فـ"سعيد" عاش جزءًا كبيرًا منذ طفولته وشبابه فى مصر، ولذلك كان حزنه على مصر وما يجرى فيها الآن سيكون بالغاً، فالثورة التى شغلت أحلام الشباب وضعت أقدامها أخيرًا فى رؤوس الكبار، سواء كان "المجلس العسكرى"، أو الأحزاب السياسية القديمة والجديدة كلهم اختلفوا واتفقوا لينتهوا إلى أمر واحد، وهو استمرار نظام "مبارك" بدون "مبارك"، بل الأسوأ من ذلك، أن نظام "مبارك" كان يشبه غرفة مليئة بصناديق الفساد المرتبة، وفيها هامش صغير، يجلس فيه الشعب، والذى حدث أن الشباب الذى قام بالثورة حمل الصناديق ليخرجها خارج الغرفة، وعند الباب أوقفه "المجلس العسكرى" ومنعه من الخروج، فعادوا وألقوا بالصناديق، ولم تعد مرتبة، والفئران التى كانت مختبئة ورائها، ظهرت جميعا وملئت الغرفة، أى أن الوضع كان كما سوف يتصوره إدوارد سعيد، فالوضع الآن فساد وفوضى وأيام "مبارك" كانت فسادًا فقط، ولذا تخيلوا "إدوارد سعيد" يبكى علينا مما نحن فيه، مثلما يبكى علينا كل الشرفاء والمفكرون فى العالم.

وقال الناقد الدكتور حسين حمودة، أعتقد أن إدوارد سعيد كان سيسعد كثيراً بهذه الثورات العربية التى تشتعل فى عدد من البلدان العربية، ولكنى أيضًا أعتقد أنه كان سيراها بمثابة خطوة أولى على طريق طموح كبير، فكل ثورة من هذه الثورات تحتاج إلى استكمالها والالتفاف حول مطالبها، والسعى من أجل تحقيق كل أهدافها.

وأضاف: ربما كان "سعيد" سوف يحزن بعض الشىء عندما يشهد الحكام الآخرين الذين يتمسكون بمقاعدهم، وربما هم على استعداد إلى أن تذهب شعوبهم إلى الجحيم كى يبقوا هم، ولذلك فى النهاية أتصور أن فرح "سعيد" ربما كان يمتزج به بعض الأسى، ولكن هذا الأسى جزء صغير من آلام كبيرة عرفتها وتعرفها الشعوب، عبر تاريخها الطويل.

وقال "حمودة" أتصور أن ما قدمه "سعيد" فى كتاباته وما طمح إليه فى هذه الكتابات يمثل جزءًا من وعى هذه الثورات، ولكن يبقى جزءٌ آخر، سوف يظل أملاً ومطمحًا، لكل المنفيين فى هذا العالم، وعلينا أن نتذكر أن حلم "سعيد" فى جانب من جوانبه كان متصلاً بقضية الفلسطينيين التى لم تحل بعد.

وقال الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار على حسن، إن الراحل إدوار سعيد لو كان بيننا كان سيرى الربيع العربى استكمالاً لمشروعه فى الرد على الاستشراق، والآراء التى رسخها المسشرقون على مدار قرون حول السلبيات التى تتسم بها الشخصية العربية، وجاءت الثورات لترد عليها ردًا كافيًا، مضيفًا "فالعربى لم يعد اليوم هو الشخص الذى ينفر من الحرية ويرضى بالذل والعذاب".

ورأى "حسن" أن "سعيد" لو كان موجود بينا اليوم، لكان من المؤكد أن ينحاز بكل كيانه إلى هذه الثورات، ويدافع عنها ويكون صوتها المدوى فى الصحافة الأمريكية ويستخدمها ويستعملها فى الرد على المشروع الصهوينى الذى سوق للعقل الغربى أن إسرائيل واحة الديمقراطية وسط صحراء الاستبداد.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة