بعد الثورة أصبح من غير المقبول أن يتم السماح للنظام السابق بأن يستمر فى قيادة البلد أو إدارة شؤونه، ورغم أن أهم رموز النظام السابق تحاكم الآن فى قضايا قتل المتظاهرين وموقعة الجمل وتصاريح مصانع الحديد وتخصيص الأراضى، إلا أنه لا يزال عدد كبير ممن ساهموا فى إفساد الحياة السياسية وتحقيق منافع وتربح من المال العام من خلال مواقعهم داخل المؤسسات السياسية والبرلمانية والاقتصادية والمالية، فهل من الممكن للثورة أن تنجز أهدافها فى ظل استمرار هؤلاء فى مواقعهم. بل إن هناك من ساهموا مباشرة فى إفساد الحياة السياسية من أعد تنظيم نفسه وعناصره فى أحزاب جديدة بعد صدور حكم محكمة القضاء الإدارى بحل الحزب الوطنى، ويستعدون لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة، سواء عبر القائمة الحزبية أو عن طريق المقاعد المخصصة للأفراد المستقلين، فكيف السبيل لمنع النظام السابق من العودة مرة أخرى عبر صناديق الاقتراع؟
والسؤال التالى هو كيف يمكن عزل هؤلاء سياسيّا دون أن نعزل أشخاصًا أبرياء لم يساهموا أو يشتركوا فى جرائم الإفساد السياسى، فالحزب الوطنى ضم أكثر من مليونين من الأعضاء، وضم تقريبًا أغلب الأساتذة فى الجامعات، ومنهم من كان شريكًا فى الفساد، ومنهم من لم يتلوث، ولو تمتد يداه للمال الحرام، أو حتى شارك فى القمع أو الاستبداد، كيف نستطيع أن نضع الخط الفاصل بين المفسدين وغيرهم. أعتقد أن الثورة بقيمها التى تعمل على تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون لا يمكن أن تقبل بإجراءات استثنائية تنتهك حقوق أبرياء، بل إن آلية الإقصاء التى استخدمها النظام السابق ضد القوى السياسية والخصوم لا يجب أن تكون هى ذاتها التى تعتمد عليها الثورة وحتى لا ندخل فى نفق مظلم من الصراع السياسى الذى يمكن أن يصل إلى العنف، لاسيما أن الكثير من العائلات العريقة فى الريف المصرى والصعيد ترشح أبناءها حرصًا على مصالحها دعمًا لأى نظام سياسى حاكم، فتشير دراسات علمية إلى أن 40 % على الأقل من أعضاء البرلمان المصرى منذ برلمانات ما قبل ثورة يوليو 1952 حتى العهد السابق كانت تمثل بعائلات معروفة ومحددة، وبالتالى لا يمكن أن تقبل هذه العائلات بعزل أبنائها بقرارات إدارية أو سياسية. فالاتفاق الذى تم فى اجتماع الفريق عنان مع الأحزاب السياسية بعمل قوائم من قيادات الحزب الوطنى داخل الهيكل الإدارى مثل أعضاء لجنه السياسات ورؤساء الأمانات وأعضاء البرلمان والمجالس المحلية وأعضاء مجلسى الشعب والشورى وإصدار قرار بعزلهم سوف يصطدم بالمبدأ الذى يقوم بالأساس على ألاَّ تفرض عقوبة إلا بناء على حكم قضائى فى محاكمة عادلة أمام قضاء طبيعى تتوافر فيها حقوق الدفاع.
وفى الحقيقة لا يستطيع أحد أن يجزم بأن كل هؤلاء قد ساهموا فى إفساد الحياة السياسية، بل إن فى الانتخابات الأخيرة كان هناك شخصيات بارزة فى الحزب الوطنى تم التضحية بها، وتمت التوصية بعدم قبول أوراقها، وأبلغت هذه الأسماء لمديرى الأمن، فى الوقت الذى تم فيه الطلب من بعض أعضاء أحزاب معارضة الترشح فى دوائر بعينها، وهى ليس لها أى وجود انتخابى، وهى تعلم أنه سوف يتم التزوير لصالحها. أى أن الفساد السياسى لم يكن فقط حكرًا على رموز وأعضاء الحزب الوطنى فقط، فهناك من كان ملكًا أكثر من الملك من المعارضة.
فمعيار عزل كل من كان يشغل موقعًا قياديّا فى الحزب أو البرلمان أو مجلس الشورى من أعضاء الحزب الوطنى معيار لا يمكن أن يكون دقيقًا فى تحديد الفاسدين، كما أن هناك شخصيات لم تكن عضوة فى المؤسسات البرلمانية أو الحزب، وكانت تتبوأ مواقع فى مؤسسات مالية واقتصادية أو بنكية أو حتى شركات خاصة، وقد ساهمت فى إفساد الحياة السياسية ونهب وسرقة المال العام. فالمبدأ القانونى المعروف أن الجريمة شخصية، ولا يجب أن نأخذ الناس بالشبهات، لذلك فالعزل السياسى لا يمكن قبوله إلا بحكم محكمة حتى يتوافق مع مبادئ دولة سيادة القانون وحقوق الإنسان.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب مصدر السلطات
اخطر شىء فى السياسه العواطف وياما كوارث هبطت على القلوب المليئه بالحب والخير
مره اخرى الثوره لن تقطع رقاب ولن تؤذى انسان برىء
عدد الردود 0
بواسطة:
كريم
مين يفهم
عدد الردود 0
بواسطة:
dr.ehab
حسبى الله
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى بن العاص
زى جوزيه
عدد الردود 0
بواسطة:
نصر
الشرعية للثورة ..للجماهير ..وليس لمحاكم وقوانين وقضاة مبارك