لا ذنب لأولادنا وأبنائنا فيما تشهده مصر الآن من هوس محموم وسباق مضطرم تجاه الفوضى، فمن حقهم علينا أن نحتفل معهم بنصر مجيد وحرب خالدة فى الذاكرة المصرية، ألا وهى حرب أكتوبر المجيدة التى تحقق لنا النصر فيها سنة 1973م على الكيان الصهيونى المزعوم والموسوم بدولة إسرائيل، إن الاحتفال بذكرى هذا الانتصار لهو واجب وفرض عين علينا جميعا، لقد أصبح لدى أبنائنا هاجس قوى أن الوطن فى اضطراب وقلق يومى لما يشاهدونه بأعينهم من مظاهر فوضى وأعمال بلطجة وتجاوزات أمنية تجعلهم أكثر حيرة من أمرهم على مستقبل البلاد، وهذه حقيقة لا نستطيع أن ننكرها.
وهذا أحرى أن نزيد من اهتمامنا هذا العام، ونحن نشيد مصرنا الغالية ونسعى فى الارتقاء بها والحفاظ على مقدراتها التى وهبنا الله إياها، فالعلم المصرى على سبيل المثال ارتبط فى أذهاننا بالثورة على النظام السابق حتى سقوطه، وارتبط فى مخيلة أطفالنا بالفوز الباهت فى مباريات الكرة، ورغم ذلك لم نصل إلى نهائيات كأس العالم منذ عام 1990م، ولكن لم يرتبط هذا العلم بالجندى الذى استطاع رفعه فوق أرض سيناء فمنحنا بذلك العزة والفخر.
وإنى لأتمنى ألا تغيبنا سطوة الهوس نحو الاعتصامات والإضرابات والهجوم المستدام نحو المجلس العسكرى، فتنسينا استرجاع الذكريات الجميلة التى أوجزها الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى عبارته التاريخية: "لقد أصبح لدينا درع وسيف، وهذا ما تعييه إسرائيل جيداً، لكنها الآن فى حالة ابتهاج لما أصاب جسد المجتمع المصرى من خلل أمنى، ومن عبث بعض أفراده بمستقبل الوطن".
وأنا على يقين بأن دعوة الاحتفال بنصر السادس من أكتوبر عند البعض لهى ضرب من الرفاهية والراحة وسط الظروف التى تمر بها البلاد، رغم أن النية طيبة وهى تكريس ثقافة تتويج النصر لدى نفوس الناشئة من أبنائنا، وتدعيم مبادئ القوة والإرادة لديهم.
لكن بعض التيارات والقوى السياسية أصبحت هوايتها المفضلة هذه الأيام الهجوم على المجلس العسكرى، وتعقب سياساته فأصبحوا على وعى بالخلط بين انتصار أكتوبر والمجلس العسكرى، متناسين فى ذلك أن هذا النصر المبين شارك فيه الشعب المصرى بطوائفه ومذاهبه وشبابه وشيوخه وأطفاله أيضاً، ولم يعد هذا النصر حكراً حصرياً على فئة بعينها.
إن ما صنعه هذا الشعب العظيم ورجالاته الأوفياء من قواتنا المسلحة فى السادس من أكتوبر لهو بحق ملحمة رائعة من البطولات التى تستحق الرصد والتحليل ونقله لأبنائنا الصغار، ولشبابنا الذين اعتادوا الوثب على مجريات الأحداث فى مصر، فمعظمهم ـ للأسف ـ يرددون ما يسمعونه من ضرورة نقل السلطة إلى سلطة مدنية غير عسكرية وأغلبهم لا يعرف مصدر السلطات فى مصر وكيفية تشكيل الحكومات، ومعظهم أيضاً أصبح يردد شعارات ضد المجلس العسكرى وهم لا يعوون أن القوات المسلحة لا تزال درع مصر الواقى الذى حفظ للشعب ثورته وهو يسقط النظام البائد.
والحكيم يرى أننا بين مطرقة وسندان، بين ضرورة المحافظة الأبدية على الاحتفال بنصر أكتوبر المجيد، وبين ربط الانتصار الشعبى على الكيان الصهيونى والمجلس العسكرى بوصفه ممثلاً عن الجيش المصرى، ولنا فى الرأى رأى، سنحتفل بالانتصار على الكيان الإسرائيلى ونحن نسعى إلى بناء مصر الحديثة بعد ثورتنا الشعبية، وسنقدر دور المجلس العسكرى الذى يحفظ للبلاد أمنها واستقرارها أملاً منا فى مستقبل جديد لمصر بعيداً عن حمى الإضرابات والاعتصامات واستكمال مسلسل الهجوم على أى شىء فى مصر.
لقد أصبح من المؤسف حقاً الحديث عن الحزب الوطنى وفلوله، ولقد بات من المحزن الحديث عن حوارات وطنية ومجلس للوفاق الوطنى والقومى والمصرى والهندى وأى مسميات مثيرة للبرامج الحوارية (التوك شو)، والأكثر غرابة أننى لم أر منذ أسبوع برنامجاً واحداً يتناول حرب أكتوبر، وكأننا يوم السادس من أكتوبر عام 1973 كنا فى مناورة عسكرية سلمية برصاص مطاطى أو ذخيرة منتهية الصنع أو كنا فى رحلة سفارى.
بالله عليكم أليس منا رجل رشيد يدرك أن القوة تحتاج إلى قوة تحميها، وأن النصر بحاجة إلى سياج رصين يحافظ عليه من الصدأ؟.
وتبقى الأسئلة بصدرى غير متناهية، للذين يفكرون فى حكومات إسلامية أنا مازلت وغيرى نقيم الصلاة فى وقتها ونحرص كل الحرص على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر دون سلطة بشرية تفرض علينا بقواعد مشروطة قد تحد من العقيدة نفسها، وللعلمانيين الذين يلهثون وراء حكومة مدنية تفصل الدين عن الدولة بينكم وبين نماذج مدنية مشرقة كتركيا مثلاً آلاف الخطوات التى لم نعبرها حتى الآن بفعل هوسنا المحموم تجاه الركون للاعتصامات والإضرابات الموقوتة.
سأحتفل وغيرى مع أبنائى بنصر أكتوبر، وسأقرأ الفاتحة على أرواح شهدائنا الأبرار، كم ضحوا من أجل بلادنا، لهم التحية، ولجنودنا البواسل ألف تحية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة