معصوم مرزوق

قطة مصر الشقية

السبت، 22 أكتوبر 2011 03:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المشكلة كلها فى القطة.. هناك من يريد أن يعلق الجرس فى عنق القطة، وهناك من يرى أن الأمر ينحصر فى مجرد ذبح القطة، ثم هناك من يفتش عن قطة سوداء فى حجرة مظلمة. عند كل احتكاك بين مواطن مسلم ومواطن مسيحى، تنفجر فجأة عشرات المقالات، وتتناثر شظاياها التى تحمل تعابير الوطن الواحد والشعب الواحد وعنصرى الأمة وثورة 19 ومكرم عبيد.. إلخ إلخ، تكاد تكون تعبيرات متطابقة فى كل مرة، وربما بنفس الأقلام. ثم تمضى الأيام، كما ينبغى لها أن تمضى، بحلوها ومرها، إلى أن تقع الواقعة مرة أخرى، فتخرج الأقلام من أغمادها، وتتكسر على أنصالها المعانى التقليدية حتى ينقشع غبار الواقعة ويعود فرسان الكلمة إلى قواعدهم سالمين غانمين. من المعروف أن المصريين القدماء هم أول من استأنس القطط واستخدمها للتخلص من الفئران فى الحقول، وقد وصل الأمر إلى تقديس القطة، فكانت إلهة الخصوبة على شكل رأس قطة وجسم امرأة، وكان كل من تعرض للقطة بالأذى يقع تحت طائلة القانون بعقوبة قد تصل إلى حد الإعدام، ولذلك اهتم المصريون القدماء أيضًا بتحنيط جثث القطط. نعرف أيضًا أنه جرت العادة على التشاؤم من القط الأسود، فإذا رأى أحدهم قطّا أسود فى الصباح انقبض قلبه وأمضى يومه منكدًا، وقد روى عن عبدالله بن عمر فى صحيح البخارى: «دخلت امرأة النار فى هرة، ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض». ولقد ظلمت القطة فى أفلام الكرتون، فهى الشريرة التى تطارد الفأر الذكى الصغير «ميكى»، وتنال منه صنوف الأذى والسخرية، وهى دائمًا مهزومة فى النهاية، وكم كنا نضحك فى طفولتنا على خيبتها وقلة حيلتها، ولكننى أحيانًا كنت أشعر بالشفقة عليها، وأتمنى لو انتصرت على ذلك الفأر الملعون ولو مرة واحدة.

ونحن نجتاز عتبة الحقبة الثانية من الألفية الثالثة، هل يصح أن تكون مراكز الحوار والجدل لا تزال متقوقعة فى نفس الأطر الفكرية التى كانت قائمة فى نهايات القرن التاسع عشر.. علاقات الدين بالدولة، الإصلاح الدينى، الهوية، طبيعة العقد الاجتماعى».. إلخ، وكأن محمد عبده وجمال الدين الأفغانى لا يزالان على قيد الحياة، والمعركة محتدمة حول قضايا التنوير والحداثة، كأن ثكنات الإنجليز لا تزال قابعة فى قصر النيل، وكأن الخديو لا يزال فى قصر عابدين.

لقد تحرك التاريخ إلى الأمام، بينما انزلقت عجلاتنا إلى الوراء، أو هى على أفضل تقدير قد تجمدت فى مكانها، لكأن أفكارنا قد صارت مثل المقولبات المجمدة، كطعام سابق التجهيز نحفظه بعناية فى ثلاجاتنا الفكرية، نخرجها من حين لآخر، ونخضعها لفترة تسخين ثم نعيدها مصونة إلى أرفف الحفظ مرة أخرى.. ولنقرأ مثلاً ما كتبه الشيخ محمد عبده منذ ما يزيد على قرن كامل: «إن كل الكتابات التى تلح على ضرورة الحجاب قد ركزت على خوف الفتنة، فهو أمر يتعلق بقلوب الخائفين من الرجال، وعلى من يخاف الفتنة منهم أن يغض بصره، والمرأة ليست بأولى من الرجل بتغطية وجهها.. عجبًا لمن يأمر الرجال بالتبرقع وستر وجوههم عن النساء إذا خافوا الفتنة عليهن، هل اعتبرت عزيمة الرجل أضعف من عزيمة المرأة، واعتبر الرجل أعجز من المرأة عن ضبط نفسه والتحكم فى هواه، واعتبرت المرأة أقوى منه فى ذلك حتى أبيح للرجال أن يكشفوا وجوههم لأعين النساء مهما كان لهم من الحسن والجمال»، هل يبدو ذلك مختلفًا عن بعض ما نقرأه اليوم من جدل؟

وحيث تستمر أغلب الحوارات دائرة فى قنوات مغلقة للصفوة، فإن تأثيرها الحقيقى على المجتمع يكاد أن يكون منعدمًا، فى كل مرة تراوغهم القطة وتفلت منهم، فلا هم علقوا الجرس، ولا هم ذبحوها، ولا استطاعوا أن يمسكوا بها فى ظلام الحجرة، هل العيب فيهم أم فى القطة.. أم أنه لا توجد قطة ولا يحزنون؟!









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

عمرو

مسلي مقالك

عدد الردود 0

بواسطة:

عارف

مقال مشتت

عدد الردود 0

بواسطة:

كل محصل بعضه

لا حول ولا قوة إلأ بالله

عدد الردود 0

بواسطة:

أمجد

أرى انك تحتاج للمزيد من التركيز

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عبد الله

حكمتك يارب

عدد الردود 0

بواسطة:

ياسر

هو ده

عدد الردود 0

بواسطة:

ياسر

هو ده

عدد الردود 0

بواسطة:

د. مجدي جمعة الشيمي

رأي عابر سبيل

عدد الردود 0

بواسطة:

عادل

كفاية لت وعجن

عدد الردود 0

بواسطة:

نسرين حسين

التعليقات أكثر تشويقاً

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة