كان ضروريا أن يدخل صفوت الشريف، وأحمد عز، وزكريا عزمى، وفتحى سرور، وعاطف عبيد، وغيرهم من مخلفات مبارك إلى سجن طرة، لنكتشف أن لهم شعراً أبيض، بعد أن تواروا خلف الصبغة عقوداً طويلة، فزالت عنهم صبغاتهم كما زال عنهم سلطانهم، وكان لافتاً أيضاً أن نرى مبارك فى القفص بشعره الأسود المعتاد لنعرف أن السجن لم يطله، وأن حكاية حبسه ومحاكمته لا تصلح إلا لنحكيها لأطفالنا قبل النوم باعتبارها خيالا فى خيال، فمازال سيادته يتمتع بحلاقه الخاص وبصبغته الألمانية الفاخرة التى كسا بها حياتنا طيلة ثلاثين عاماً.
سقطت الصبغة عن المحبوسين ليظهروا على حقيقتهم التى اجتهدوا فى أن يخفوها، تماماً مثلما سقط عنهم سلطانهم فظهرت جرائمهم، وإن كنا نبحث عن الشرعية التى حكمونا بها طوال هذه السنين العجاف، فأعتقد أنها «شرعية الصبغة» فكما كانوا يصبغون شعرهم ليظهروا كذبا وزورا وبهتانا أصغر من عمرهم الحقيقى كانوا يزورون الانتخابات ويصبغونها بشكل ديمقراطى ومتن ديكتاتورى عفن، وقس على ذلك معظم خططهم ومشاريعهم وأفعالهم، فقد كانوا يعتمدون على «البوية» فى تطوير الأحياء منطقة وتجميل الأرصفة، وهم أيضاً الذين كانوا يوارون المناطق الشعبية الفقيرة بعرض صور النيل والأهرامات والأحياء الراقية فى التليفزيون، وهم الذين كانوا يفتتحون المشروع أكثر من مرة بعد تغيير بعض ملامحه وطلائه بألوان مختلفة، وهم الذين كانوا يسودون «أى يصبغون» البطاقات الانتخابية لينالوا شرعية زائفة.
الحقيقة العلمية تتطلب أن نذكر أن مبارك وزبانيته ليسوا أول من سلك هذا الدرب، فالفراعنة كانوا يتبعون طريقة مماثلة لهذه الطريقة، فقد كان من التقاليد الفنية الراسخة فى نحت تماثيل الملوك أن يضع الفنان خلف كل فرعون «ذيل».. نعم ذيل.. لا تستغرب فالذيل هنا كان يرمز إلى «الثور» بما يوحى أن الفرعون قوى وباطش مثل «الثور»، وكان الناس آنذاك يصدقون هذه الرمزية الزائفة حتى حينما كان يمكث أحد ملوكهم فى الحكم تسعين عاماً، لكن الأغرب أن ملوك مصر وحكامها كانوا يعتقدون أننا مازلنا نتمتع بهذا «الهبل» الذى يجعلنا نصدق كذبهم البين وتصابيهم المفضوح.
الغريب أن «ظاهرة» «أبوصبغة السكرة» مازالت موجودة بيننا إلى الآن، ومازال بعض الصباغين يعتقدون أننا نتمتع بهذا القدر من الجهل والهبل الذى يجلعنا نصدق أناسا يكذبون على أنفسهم ويخجلون من كبر سنهم فيدارون ما يحسبونه عيباً، وما هو بعيب، بعيب أكبر، ويتمادى هؤلاء فى صبغهم الحقائق وتلوينها غير مكترثين بمصير الصباغين الذى رأوه بأم عينهم وأبيها وأخيها وأختها وجوز خالتها، يدعون أنهم صادقون صادقون صادقون، والكذب يطل علينا من رأسهم ليخبرنا بأنهم «كاذبون كاذبون كاذبون»، شباب مصر يهتف: «ثورة ثورة حتى النصر»، وهم يهتفون «صبغة صبغة إلى أبد الدهر».
نفس الألوان.. نفس الأشكال.. نفس الطرق الكاذبة.. ونفس الحيل المكشوفة.. ونفس الألاعيب الخائبة.. ونفس العقلية المتحجرة، ونفس الأفواه المبقورة.. ونفس التآمر المرير.. الشىء الذى يضع تغيير شعار الثورة فى محل الإلزام، ولابد إذن من الهتاف فى الشوارع والميادين: «الشعب يريد إسقاط الصباغين».
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
فؤاد صلاح
عزيزي وائل السمري
لا فوض فوك
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال عبد الناصر
الزيف
عدد الردود 0
بواسطة:
هشام الطيب
أستاذ في الصبغ المقارن
بجد مقال قوي جدا وجميل ومتأمل وفاضح للحقيقه
عدد الردود 0
بواسطة:
مصريه
جبتها من اين الديل دى