مجدى أحمد على

عن الانهيار

الأربعاء، 12 أكتوبر 2011 04:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أوشك الوطن كله على السقوط، ويبدو على الجميع علامات الذهول كأنهم لم يشاركوا فى عمليات الهدم المنظم منذ عشرات السنين بالفعل والصمت والتواطؤ والانغماس المريض فى عمليات التعامى والتظاهر بأن الكارثة القادمة ليست سوى «حوادث» بسيطة، و«مسائل» شخصية، و«مؤامرات» خارجية، كذبنا حتى أدمنا الكذب، ولكى نهرب من مصحات علاج الإدمان واصلنا الادعاء بصدق ما تعودنا الكذب بشأنه، وأدرنا أعيننا عن كل فعل ينضح بالقبح، متوهمين بأن عدم رؤيتنا له يعنى عدم حدوثه، أقفلنا كثيرا من الجروح على تراكم من الصديد والقيح دون أن نجرؤ - ولو لمرة واحدة - على تحمل آلام التطهر والتطهير للجروح النازفة من كرامة الناس وعزتهم، لكى يعود الوطن جسداً واحداً بريئاً من السقم والعلة.
لم يعد ممكنا استمرار هذه المأساة المروعة.. لم يعد ممكنا أن نكون شهودا على من يضربون - بكل الجهل وكل الدأب وكل الإصرار - آخر أعمدة البيت الذى طالما وفر لنا الأمان والحياة والكرامة.. نعلمهم جميعاً، ونراهم ملء العين والشاشات، جميعاً يتفاخرون بجهلم وتخلفهم.. نسمح لهم - باسم الديمقراطية - بتدمير الديمقراطية والوطن من قبلها، ونتفرج ونتعلل، بل نقبل اللحى المجرمة فى حق الله، وفى حق الناس، وفى حق الإنسانية كلها.
نوقن أن هناك تمييزا وقحا يكاد يتحول إلى فعل عادى- بفعل استدامته - فى جميع مجالات الحياة المنظورة منها وغير البادية، بدءاً من تعمد الإيذاء والمنع من التفوق، والإقصاء المتعمد من الوظائف العليا والمتوسطة، وانتهاء بروح عدم قبول شركاء الوطن المختلفين ديناً أو جنساً أو عرقاً، وسط موجة سوداء من التعصب لا توقفها دولة منشغلة بالتوريث، أو نظام جديد منشغل بالقضاء على الثورة.. رأيت شخصياً كيف أنهى أستاذ جامعى مستقبل طالب عبقرى بكلية الصيدلة لمجرد سماع اسمه الذى يدل على قبطيته، وتكرر الأمر لأنه يعتمد فقط على ضمير الأستاذ الذى لا يردعه قانون صارم، وآليات إثبات بسيطة، كأن يطلع المحقق على عبقرية الطالب فى جميع سنوات الدراسة وجميع المواد.. ليست هذه مسائل فردية أو شخصية بعد أن أصبح الحجاب فرضا على الأقباط فى جميع مدارس الصعيد تحت نظر الدولة وسمعها وموافقتها الضمنية أو المعلنة، بل إن هناك بنكا إسلاميا لا يوظف امرأة مهما كانت كفاءتها، منتهكا كل قواعد المواطنة، وحقوق الإنسان، ودون أن يحاسبه أحد فى فروعه المنتشرة، وعبر عشرات السنين، ويستجيب النظام الذى أتت به الثورة لتحقيق مطالبها فى الحرية والكرامة لابتزاز فاقدى العقل والضمير، فيتجاهلون قانون تجريم التمييز التائه فى دهاليز المجلس البائس للوزراء.
تتكرر حوادث هدم الكنائس وحرقها، ويتولى الغوغاء شؤون «المصالحة» تحت تهديد الحرق المتكرر، وتعلن الدولة استقالتها - بقانونها ومؤسساتها - مفسحة المجال لأصحاب اللحى لتكريس قانون الرضوخ للأمر الواقع، وتهريب المجرمين الذين يقررون وينفذون ما يشاؤون، وما يمليه عليهم ضيق الأفق، وشدة الجهل بآداب الدين الحنيف.. ومرة أخرى يتجاهل المجلس الذى وكّله الثوار لإنجاز مهمته البسيطة فى تأكيد هوية الوطن، وشرف مواطنيه المتساوين أمام قانون واحد عادل، ويتجاهل إصدار قانون موحد وصارم لإنشاء دور العبادة، والإنهاء - مرة واحدة وإلى الأبد - لدور كل من تُسوّل له نفسه القضاء فى الأمر، بل تنفيذ الأحكام بيده.. لا ديمقراطية مع المعادين للديمقراطية، الكفار بها، بل الضرب - بقوة القانون - على أيدى مشعلى الحرائق الجبناء المتسترين خلف منابر الله جل شأنه، مشوهين دينه السمح العظيم، وضاربين أسوأ الأمثلة لرجال لم يتعلموا من طول قمعهم سوى أن يتحولوا إلى معسكر قامعيهم بعد أن تعلموا دروس العبودية لغير الله، فأصبحوا أكثر شراً من صانعيهم.
الوطن يحترق يا سادة.. ووقت إنقاذه يضيق حتى يكاد ينفد.. لا وقت إلى الحجج الجوفاء.. ليست هناك مؤامرات داخلية ولا خارجية (حتى إن ثبت وجودها)، فالمشكلة عندنا والحل لدينا.. فقط نرى بشجاعة ونتصرف بقسوة.. لا ديمقراطية مع أعداء الديمقراطية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة