منذ عدة سنوات ليست بالكثيرة.. كنت لا أزال فى مرحلة الدراسة الإعدادية حين فاجئنى صديقى المقرب بذلك السؤال غير المفهوم "اشمعنى أنا!؟" والذى لم أكن أدرك معناه وقتها ولم أعرف كيف تكون الإجابة عليه.
فحينها على الرغم من كونى مسلم فقد كان "مارك" الفتى المسيحى هو أقرب أصدقائى إلىّ، ولم يكن ذلك ليمثل لى أدنى مشكلة.. فلم تكن هناك مشكلة فى الصليب المطبوع على رسخه، والآخر المحيط بعنقه، ولم تكن هناك مشكلة فى أن ديانة صديقى تختلف عن ديانتى وأن لكل منا شعائره ومناسكه الخاصة.
فقد كنت أعلم جيدا أن الدين كله لله، وأن الله هو صاحب الحق، دون غيره، فى أن يحاسب كل منا على معتقداته، لذلك فقد تركت ما ليس من اختصاصى، ولم ألتفت إلى ما لا يعنينى.
لقد كان ما يعنينى حقا هو أن أجد فى صديقى رفيقاً صالحاً، وهو ما وجدته فى "مارك".. فقد كنت وصديقى متجاورين فى مدرستنا متلازمين خارجها، كنت أحادثه عبر الهاتف يوميا ونذهب دوما للتنزه معا ولم تظهر بيننا يوما أى مشكلة.
ربما ظهرت المشكلة فى ذلك اليوم حين جاء ليواجهنى بهذه العبارة التى تعجبت منها كثيرا "أنا مسيحى.. اشمعنى أنا!؟" والذى كانت إجابتى الفورية عليها "مش فاهم.. يعنى إيه اشمعنى أنت!!!!". "انا مسيحى"، "طب ما أنا عارف.. فين المشكلة؟؟؟". ـ"طيب اشمعنى اخترتنى أنا!؟".
أدركت بعدها بمدة ما كان يعنيه صديقى، وأدركت سبب سؤاله حين كنت أتحدث مع أحد الأشخاص وقال لى: "على فكرة.. المسيحيون مش بيحبونا لكن هم مش مبينين"، وقتها لم أجد ردا لكلماته سوى الصمت. وبعدها بعدة أيام أجد عبارة مكتوبة فى أحد المنتديات المسيحية على الشبكة العنكبوتية "يا جماعة.. المسلمين بيكرهونا لكنهم يخفون ذلك".
ـ أنا مسلم ـ وأنا لا أتذكر يوما أنى قد أكننت أى شعور بغيض لأحد المسيحيين، فقد كنت أحب صديقى "مارك" بشدة واعتقد أنه كان يبادلنى نفس الشعور، و"مينا" صاحب محل البلاى ستيشن الذى نرفض أنا وأصدقائى المسلمون الذهاب لمحل غيره، لأننا نحب "مينا" واعتدنا على الذهاب لمناوشته، والذى أعتقد أنه يحبنا بالمقابل، والأستاذ "عادل" مدرس الفيزياء الذى طالما أكننت له كل التقدير والاحترام، والذى كنت أشعر أحيانا أنه يفضلنى على زملائى المسيحيين الذين هم من أبناء دينه.
إذا فأين هؤلاء المسيحيين الذين يكرهوننا؟، وأين أولئك المسلمين الذى يبغضون الأقباط؟؟ إما أنهم بلا وجود أو أنهم يختبئون فى مكان ما لا أستطيع تحديده بدقة.
لكن إذا توجهت ببساطة إلى أحد هؤلاء المسلمين أو الأقباط ممن يردد ذلك الكلام عن الكره والبغض، وسألته عما إذا كان له معارف من أتباع الديانة الأخرى، سيجيبك على الفور "أكيـــد.. ياما كان ليا أصحاب وجيران منهم وكانوا طول عمرهم جدعان".
إذا فأين المشكلة !!!!!!؟
فى الحقيقة ليس هناك وجود لأى مشكلة.. المشكلة إن وجدت فهى فى بعض الأذهان المريضة التى لا تستطيع أن تنظر بوضوح إلى واقعها المحيط بها، والتى تبحث عن أى غطاء تتمكن به من تغطية عجزها وتخلفها. فذلك مثله كأى كذبة أطلقها البعض، وظلوا يرددونها حتى جاء اليوم الذى صدقوها فيه. وظلت تلك الكذبة تفرق بين الأصدقاء يوما بعد يوم.
جامع وكنيسة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة