منذ أن وقعت كارثة تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية وأنا أشعر بمرارة ممزوجة بالفزع، حالة من الاكتئاب والحزن أصابتنى كما أصابت ملايين المصريين مسلمين ومسيحيين مع أول ساعات العام الجديد، عيد حزين يتشح بالسواد تتناثر فيه الأشلاء وتراق فيه الدماء، دماء مصرية غالية تسيل على أعتاب بيت للصلاة بعد أن كانت تسيل فيما مضى لتحرر الأرض، فرحة بالعيد تحولت إلى مأتم جماعى لشباب فى عمر الزهور، وآباء وأمهات تركن وراءهم أطفال أيتام فقدوا الحنان والأمان فى ليلة العيد وأطفال سالت دماؤهم على ملابس العيد الجديدة وتحولت فرحتهم إلى شبح مخيف ويوم شؤم، تخيلت لو أن ما حدث قد وقع أمام أحد المساجد أثناء صلاة عيد الأضحى أو عيد الفطر، بينما يلهو الأطفال ويلعبون فى ذاك اليوم الذى طالما انتظروه هم وأباؤهم وأمهاتهم، فرحة كل أم وأب اشترى ملابس العيد الجديدة لأطفاله، عيون الأطفال البريئة وأياديهم الصغيرة تحتضن تلك الملابس تحلم وتعد الأيام والساعات منتظرة يوم العيد، طفلة بريئة يهجرها النوم ليلة العيد وهى تحمل فستانها الجميل تضعه على جسدها الصغير وتقف أمام المرأة، تجرى حين تهل ساعات العيد الأولى تجلس فى حضن أمها لتمشط شعرها الجميل وتضع لها التوكة الصغيرة الجميلة بلون فستانها الوردى فتصبح الصغيرة فى أبهى وأجمل صورة، يهتز قلب الأم فرحا بملاكها الصغير تحتضنها وهى لا تدرى أنه الحضن الأخير، بينما يرقص قلب أب فرحا وهو يمسك بيد طفله الصغير الذى ارتدى جلبابا أبيض أو بدلة جديدة ليصطحبه لصلاة العيد وهو يشعر أنه أصبح رجلا صغيرا وشاب أو فتاة يستعد كلاهما لحفل خطوبته أو زواجه مع حلول يوم العيد لتصبح الفرحة فرحتين، الكل تجمعهم ساحة الصلاة يوم العيد واستعداد لاستقبال لحظات فرح وسعادة تمنحهم هدنة من شقاء العام، فإذا بيد غادرة تغتال فرحة الصغار والكبار تمزق ملابس العيد وأجساد الأطفال تسيل الدماء وتتناثر الأشلاء الطاهرة البريئة على أعتاب بيت من بيوت الله قبل أن تكتمل الصلاة، عروس كانت تستعد لليلة الزفاف سالت دماؤها ولفها كفن قبل أن تهنأ بفستان الزفاف وشاب رحل دون أن يحقق حلم عمره بعد شقاء السنين، ضمه قبر قبل أن يضمه حضن عروسه أسر تفقد زهرة شبابها أو أجمل أطفالها أو عائلها الوحيد فى يوم كانت تظنه يوم عيد وتنتظر أن تختلس فيه فرحة صارت عزيزة على أغلب المصريين.
ماذا لو حدث كل هذا فى عيدين متتالين للمسلمين كما حدث فى العام الماضى بنجع حمادى وتكرر بصورة أبشع وفى نفس التوقيت فى تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية؟ وماذا لو صاحب هذه الأحداث وسبقها تهديدات طائفية عمياء أطلقها متطرفون مسيحيون لا يعبرون عن جموع المسيحيين كما هو الحال مع تهديدات تنظيم القاعدة الإرهابية التى لا تعبر عن جموع المسلمين أو سبق هذه الأحداث تصاعد حدة الاحتقان الطائفى الذى يشعله النافخون فى النيران ؟ كيف سيكون حجم المرارة والحزن والانفعال والغضب وإلى أى مدى يمكن أن تغيب العقول فى هذه اللحظات القاسية العصيبة ؟! حينها يمكن لأى منا أن يفقد أعصابه ويتصرف على غير طبيعته، فتتصاعد الشكوك فى كل الاتجاهات ونفقد الثقة فى كل ما حولنا، يتنامى الإحساس بالظلم والاضطهاد وقد يتجه إلى غير محله، لكنها طبيعة لحظات الانفعال وفقد الأحباب وتحول الفرحة إلى حزن والعيد إلى مأتم وفى غمرة الغضب والانفعال قد نشك فى أن من سرق فرحتنا هم بعض إخواننا فى الوطن لكن كل منا لن يشك ولو للحظة فى جاره جرجس الذى كان أول من واساه وكان على استعداد للتبرع بنصف دمه وحياته لإنقاذه أو فى زميله جورج الذى طالما شاركه أحزانه وأفراحه ووقف إلى جواره فى أوقات الشدة أو فى صديق طفولته وصباه ودراسته مينا الذى تقاسم معه ساندوتشات المدرسة سيتجه الشك إلى آخرين لا نعرفهم ولم نعاشرهم أو نراهم وقد لا يكون لهم وجود إلا فى عقول أشعلها الغضب وقسوة المشهد وهول الصدمة، حينها لابد وأن يستوعب كل منا غضب الآخر وحزنه ومرارته كما يفعل الأشقاء والأخوة فى اللحظات العصيبة حين يفقد الإنسان عقله واتزانه وحكمته وحين ينزل به من البلاء ما لا يطيق، ورغم أن حزننا وألمنا لا يقل عن أحزان إخواننا المسيحيين الذين امتزجت دماؤهم بدمائنا إلا أن علينا أن نستوعب ما يمرون به وما يشعرون به من مرارة وإحساس بالظلم والاضطهاد نتيجة لهذه الأحداث التى أفزعتنا واستهدفتنا جميعا أن نتحمل غضبهم حتى وإن اتجه فى جزء منه إلى غير محله وأن نتوقع أن يستدعى كل منهم ما يعانيه من مشكلات وإهمال قد نتشارك فيها جميعا ليفسرها فى إطار طائفى يزيد من إحساسه بالاضطهاد والظلم خاصة مع بقاء بعض مشكلاتهم بلا حلول ومع الإحساس بالإهمال الأمنى الذى لم يقدر التهديدات التى أطلقها تنظيم القاعدة أو يتوقع أن يستغلها المتربصون بالوطن حتى وإن لم تنفذها القاعدة ولم يقدر حجم الشحن الطائفى فى الفترة الأخيرة والذى يسهل معه تجنيد بعض المتطرفين من الجانبين لتنفيذ مخططات خارجية، ولم يتحسب لتكرار ما حدث فى العام الماضى فى نجع حمادى والذى لا زالت أثاره عالقة فى الأذهان خاصة مع عدم محاكمة مرتكبيه حتى الآن، علينا أن نقدر غضب إخواننا وأن نتحمل لحظات انفعالهم وغضبهم أن نمسح دموعهم ونضمد جراحهم ونعمل على إعادة الإحساس بالأمان الذى فقدنا وفقدوا جزءا كبيرا منه مع ضياع فرحتهم بالعيد، فهكذا تكون مشاعر الأخوة والإحساس بالمسئولية والوقوف إلى جوار الأخ واستيعاب غضبه وقت الشدة ليبقى الهلال مع الصليب واقعا وفعلا وليس مجرد شعار.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة