فاروق حسنى: تجليات فنان عربى يتشبث بالقيم الشرقية ويرفض التأثر بالغرب

الخميس، 27 يناير 2011 10:59 م
فاروق حسنى: تجليات فنان عربى يتشبث بالقيم الشرقية ويرفض التأثر بالغرب فاروق حسنى
محمد فودة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
معرض الفنان فاروق حسنى بقاعة «أفق واحد».. يعتبر تتويجاً لعالم الفن التجريدى المصرى، الذى وصل بفضل مجموعة من رواد الفن التشكيلى إلى مرحلة راسخة، أكملها فاروق حسنى بأن حسمها وأوصلها إلى أكبر المتاحف العالمية.. وكان حسنى مصراً على عنصرين وهو يقدم نفسه للعالمية، أولاً أن يكون مصرياً عربياً تماماً، محتفظاً بتراثه الشرقى ومفرداته الشعبية.. وثانياً أن يلتزم بالفن التجريدى الذى وجه نفسه فيه دون فنون أخرى.. وقد بدأ فاروق حسنى - مثل كبار فنانى التجريد فى العالم - من المدارس التقليدية - فكان يرسم الطبيعة الصامتة ويلتزم بتقاليد اللوحة الكلاسيكية، إلا أنه وجد تغييرات العالم وثوراته المتعاقبة وحركات التمرد وغيرها.. لا يناسبها الرسم التقليدى بكل فروعه مهما أوتى من حكمة المواعظ.. فقد وجد فاروق حسنى أن التجريد فن لا يذبل ولا ينضب.. بل إنه يزداد رسوخاً عاماً بعد عام.. لأن له أبعاداً كثيرة عالجها فنانو القرن العشرين، ولكن ازداد التجريد يقينا فى بدايات القرن الحالى ومازال المفهوم يحتمل معالجات جديدة، والفن مهما اختلفت مظاهره، فإن أساسه هو التجريد.. ولهذا فالفنان التجريدى يتحرر من تبعات التقليد والتشبث بمظاهر الأكاديمية ويدخل بعمق نحو تحقيق إبداعات جديدة قوية.. تفوق ما تحقق بوحى تقليد الطبيعة، إلا أن هذا أمر يتوقف على موهبة الفنان ذاته، وبصيرته النفاذة وجرأته فى تخطى المجهول والكشف عنه، ولهذا برع فنانون عالميون أمثال بول كلى ونعوم جابو وهنرى مور وفازاريللى.. وفى العالم العربى فاروق حسنى الذى وصل إلى قمة راسخة فى هذا المجال ورفع شأن الفنان المصرى والعربى، لأنه تناول قضايانا من خلال لوحات مستقبلية.. خاصة أن اللوحات الأربعين فى معرضه الأخير المقام حالياً بمتحف محمد محمود خليل، تعتبر إضافة إبداعية غرس فيها كل مفردات تراثنا المصرى.

وكلمة التجريد تحققت فى معرض فاروق حسنى ببراعة حيث يعنى التجريد التخلص من كل آثار الواقع والارتباط به، فالجسم الكروى يمثل تجريداً لعديد من الأشكال.. وفى لوحات حسنى تظهر بعمق الأشكال المربعة والدائرية والخطوط الرأسية والأفقية والمتقاطعة والمنقطة.. وقد برز فى هذا المعرض أيضاً تفرد الفنان بمنهج خاص به وأدوات خاصة فى التعبير عن ذاته وعن رؤيته.. وهو يستوحى أعماله من الطبيعة المصرية حوله.. بكل ما فيها من مفردات مصرية مثل النيل والشمس والهرم وهو واحد من العناصر المهمة فى أعمال فاروق حسنى حتى إننا نلمح الشكل الهرمى فى أغلب لوحاته، فهو بقدر ما يرى فى هذا الهرم الرمز المصرى إنما يرى فيه أيضاً رمز الخلود والدخول بقوة إلى عمق التاريخ وأسراره وخفاياه، ويبرز هذا المعنى بألوانه التى تشارك ويأخذ عيون المتابعين لها، ألوان زاهية تنقلنا من عالم إلى عالم آخر، ألوانه أخاذة صارمة، وكثير منها مستوحى من اللون الفرعونى وأهمه الأصفر والأزرق.. وكان تطويره مستمداً من هذا التراث الشرقى العميق الذى حاول العالميون الاستعانة به وتحليل خفاياه وهى كثيرة، فاروق حسنى جدد فى هذا المجال وأرخ لتطويره.. لأنه التزم بالمحلية الكاملة ولم يستسلم للفكر الغربى.. فهى قضيته الأزلية.. وقد أظهرها فاروق حسنى فى معرضه بكل تماسك وثقة وبراعة ويستقيم هذا المنطق أيضاً فى العلاقة القائمة بين الشكل والأرضية أو الأمامية والخلفية، بين كل ظواهر البروز والاحتفاء، والضوء والظل والواضح والغامض، وفى بحث فاروق حسنى الدائب عن جوهر الحقيقة.. وفى التشكيل الحداثى للوحاته، نلاحظ ثلاثة مفاهيم تتصاعد أمامنا أولها: أن فاروق يظهر فى أعماله مصادر إلهامه بشرف واعتزاز، لأن مصدر إلهامه هذا هو تراثنا الشرقى المصرى العريق، وثانيها: أنه حقق فى مجال المدرسة التجريدية ما لم يحققه فنان مصرى ولا عربى من قبل.. فقد تمكن من تزاوج الأصالة العربية بالتجريد العالمى، وثالثاً: أن لوحاته تحتفظ بالأصل الطبيعى، بعد أن يكون قد قام بعملية التشطيب أو التجريد أو الحذف يحذف كل التفاصيل التى ليس لها علاقة بالجوهر.. ويؤكد الجوهر ذاته، فى خطوطه ومساحاته وفى الكتل الممتدة من أقصى اللوحة إلى أقصاها.

معرض فاروق حسنى الأخير يثير أيضاً قضيتين، أولاهما: انطلاق التجريد على يده فى عالمنا العربى، والحقيقة أننا لم نعرف فنانا عربيا وصل إلى هذه الدرجة من الإبداع، لأن الفنان العربى لسنوات طويلة كان غارقاً فى البصريات المحددة، أما القضية الثانية فهى تقوم على فلسفة ربط رسوماته التجريدية بالأحداث الدائرة حولنا.. فاللوحات جولة فى موضوعات نعيشها وآثار عربية وعالمية ترمى نثارها فى الحقبة التى نعيشها فى مصرنا التى كان قدرها أن تتحمل مسؤولية الجميع.. وتقف واعية صامدة كاشفة عن حضارتها الخالدة وعمق وأصالة شعبها والقيم الأصيلة التى نتشبث بها إلى آخر العمر.. ولهذا فقد أخرج فاروق حسنى اللوحة المصرية من بروازها التقليدى الذى لم يعد مناسباً لتفسير غموض ما يحدث حولنا.. وعرضها فى شكل يناسب فن وقيم وحضارة وإنسان القرن الواحد والعشرين..






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة