أنا متأكدة أن كثيرا من المتابعين للصحف المصرية، حكومية ومعارضة وبعض المستقلة، قد انتابتهم الدهشة والعجب من تغطية تلك الصحف لأحداث الثورة الشعبية التونسية.. بالتعتيم فى الأيام الأولى للثورة على كل ما تورده وكالات الأنباء عنها، أو بمنع أى مقالات رأى تشير إلى ما حدث من قريب أو بعيد.. ولم تسفر محاولات رؤساء تحرير الصحف الحكومية لتصوير الأمر لمرؤسيهم باعتباره "أوامر عليا".. فقد باتت تلك حيلة مكشوفة لايصدقها طفل.. وبات إدراك الصحفيين صغارهم وكبارهم لكيفية إدارة تلك الصحف "كعزب خاصة" شاهرين تلك الجملة "منتهية الصلاحية فى وجه أى مشاغب.. "أوامر عليا"!!.
ولم يمهل القدر هؤلاء وأولئك طويلا.. فقد نشر الزميل أحمد مصطفى فى العدد الأخير من اليوم السابع تقريرا خطيرا أعده الناشط الحقوقى جمال عيد للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.. أورد التقرير إشارة لـ 25 صحفيا من هؤلاء، اجتمعوا باختلاف تياراتهم وتوجهاتهم على "الدروشة" فى "مولد سيدى بن على".. راعى الديمقراطية.. حامى حمى حقوق الإنسان كما كتبوا فى صحفهم ومجلاتهم.. الحكومية، اليسارية، الليبرالية، المستقلة.
وهنا سقطت ورقة التوت.. وصار معروفا – بالضرورة – لماذا أصر هؤلاء وأولئك على التعتيم على ما جرى فى تونس.. ولماذا تغير رأيهم إذا فجأة، ففكوا الحصار عن التقارير ومقالات الرأى.. التى خرجت فى صورة أقل ما يقال عنها أنها كتابة "استربتيز".. لا تعكس فكرا أو وجهة نظر، بقدر ما تعكس محاولة للى عنق الحقيقة التى تثقب عين أى متابع، والتغطية على أمر مجهول لا يدركه القارىء.. وجاء تقرير اليوم السابع، ليفك شفرة الطلاسم التى أدهشت القارىء طوال أيام مضت.. فصار مفهوما لماذ عتم هؤلاء على الأخبار.. ولماذا كتب أولئك يحذرون من الفوضى والحكم العسكرى والجماعات المتطرفة فى تونس فى الفترة القادمة.. وعندما انجلت الرؤية أمام قارىء واع، تابع الفضائيات ليل نهار بداية الإرهاصات الأولى للثورة.. بإشعال العزيزى النار فى نفسه فى 18 ديسمبر الماضى.. ومرورا بما أسفرت عنه تلك الثورة من هروب رئيس قام بأكبر عملية سرقة بالإكراه لوطن فى العصر الحديث.. ثم نهاية بتقرير المنظمة الحقوقية الذى نشرته اليوم السابع.. أصبحت الرؤية لديه واضحة تماما.. فتلك ليست صحافة.. وأولئك ليسوا كتابا للرأى.. الأمر كله تحول إلى "عته مهنى" وصل إلى حد البجاحة!!
المدهش بالنسبة لى إضافة إلى كل ذلك، هو أن بعض الكتاب من "دراويش سيدى بن على".. الذين وردت أسماؤهم فى التقرير.. وهم يعلمون أن ذاك التقرير، حتى ولو لم ينشر الأسماء صراحة، قد جرى تسريب على نطاق لما تضمنه من أسماء.. والأرقام التى حصل عليها هؤلاء وأولئك.. بعض هؤلاء الكتاب استمر فى كتابة "المقالات الاستربتيز" التى تمجد فى حكم "بن على" وديمقراطيته.. وحمايته لحقوق الإنسان.. وتقليل حجم ما قام به الشعب التونسى العظيم.. نافين بضراوة ما تبثه الفضائيات ليل نهار عن فداحة ما جرى فى تونس طوال 23 عاما!!
أندهش كثيرا.. ولا أجد سوى تلك العبارة فهى خير تعليق "يا أيها الخجل.. أين حمرتك؟"!!