محمد حمدى

زوجتى وبن على.. وسيدنا سليمان

الأربعاء، 19 يناير 2011 01:32 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى متابعتها الدقيقة لما حدث فى تونس تحرص زوجتى على إعادة الأمور إلى نصابها، بالبحث عما تسميه المحرك الرئيسى للأحداث التى أدت فى النهاية إلى هروب الرئيس بن على، وهى مثل كثيريين من محترفى السياسة والعاملين بالإعلام تفتش أول ما تفتش عن الأصابع الخارجية التى يمكن أن تكون تدخلت فحركت الشعب التونسى الذى ظل صامتا منذ 23 عاما.

ولا أعرف لماذا تشغل زوجتى أو غيرها نفسها بنظرية المؤامرة، ولا أعرف أيضا لماذا هى وغيرها يؤمنون إيمانا عميقا بأن أى حدث حتى ولو كنا نشاهده على الهواء مباشرة له من يحركه من وراء ستار، وكأننا أصبحنا نعيش فى مسرح عرائس كبير جدا، ومن خلفه قوى خفية تمسك بكل خيوطنا وتحركنا كيفما تشاء.

شخصيا أرى ما حدث فى تونس بشكل بسيط جدا: نموذج تقليدى للديكتاتور الذى يحكم بالحديد والنار، لا يسمح بحرية الرأى أو التعبير، أو الاختلاف فى الرأى، أو أى نوع من أنواع المعارضة حتى ولو كانت شكلية وهامشية، أما من يتجرأ على هذا النظام السلطوى الصارم جدا فإنه يتحمل عواقب وخيمة، على رأسها أن يضحى بحياته، أو يقبع وراء أسوار السجون دون أمل فى الخروج، أو يختفى ولا يظهر مرة أخرى.

فى مثل هذه النظم من الحكم، يكاد يتحول الحكام إلى ألهة، أو هكذا يتصورون، ويظل حفاظهم على مقاليد الحكم بقبضة حديدية رهنا بمدى خوف الناس وعدم قدرتهم على التعبير عن أرائهم، وتحدى الخوف والقمع الذى يعيشون فيه.

الرئيس العراقى السابق صدام حسين كان من هذه النوعية، وفى عهده قتل أو اختفى عشرات الآلاف من العراقيين، وحين هرب من بغداد بعد أن احتلتها القوات الأمريكية تجرأ الناس عليه، وشاهدناهم وهم يحطمون تمثاله، بينما قبلها بساعات لم يكن مواطن عراقى يجرؤ على إلقاء صحيفة فى الأرض، ليس حبا فى النظافة وإنما خوفا من أن تحتوى الصحيفة على صورة المهيب الركن صدام حسين الذى لا يجوز إلقاء صورته على الأرض حتى ولو كانت فى صحيفة.

ولا يزال بعض العراقيين حتى الآن لا يتصورون أن صدام قد ألقى القبض عليه، وجرت محاكمته على الهواء، وشاهدوا لحظات إعدامه الذى أذاعته فضائيات وتليفزيونات العالم، ووضع على موقع يوتيوب وآلاف المواقع الأخرى على الإنترنت.

بن على كان من نوعية صدام حسين، وحين انتحر محمد البوعزيزى فى مدينة سيدى بوزيد التونسية احتجاجا على الفقر والتهميش وصفعه على وجه من أحد رجال الأمن، لم يكن أحد يتوقع أن يؤدى انتحار البوعزيزى إلى ما حدث بعد ذلك فى تونس.

وظلت الاحتجاجات التونسية تتجدد وتنتقل من مكان إلى آخر طيلة عشرين يوما، وهى تطالب بالحق فى العمل فقط، حتى أقال بن على وزير الداخلية واعترف بأنه لم يكن يعلم ما يعيشه الشعب التونسى، ظهر بن على لأول مرة منذ 23 عاما كشخص عادى ضعيف، يحاول لملمة شعبه ويعتذر عما لحق به، وهنا فى هذه اللحظة فقط انهارت صورة الديكتاتور الذهنية لدى المواطنين، فى نفس الوقت الذى انهار فيه الخوف منه فى قلوب الناس، لتبدأ رحلة التجرؤ على الديكتاتور السابق والتظاهر والهتاف ضده فى الشارع.

فى هذه اللحظة فقط أدرك التونسيون أن بن على قد انتهى، تماما حينما أكلت سوسة الأرض عصا سيدنا سليمان، فأدرك الجن أنه قد مات!







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة