نعم.. فإرادة الشعب من إرادة الله، قالتها آية الذكر الحكيم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).. ورددها شاعر الحرية أبو القاسم الشابي: (إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلابد أن يستجيب القدر)، وأفتى بها الفقه الاجتماعى للإسلام، حيث مصلحة الجماعة هى شرع الله، وحينما قام شعب (الخضراء) بترجمة هذه المعانى المقدسة إلى تحرك سياسى أطاح بعرش الديكتاتور، فقد فتح أبواب التغيير أمام أشقائه الذين مازالوا رهن اعتقال سلطات القهر والفساد والإفقار، يمارسون حق الاحتجاج دون أمل، فإذا بماء الثورة القيروانى يتفجر من تحت أقدام (الشغيلة) ليسقى جداول الروح فى كل الأجساد العربية زمزماً.
كان العالم طوال الأسابيع الماضية، يضبط إيقاع قلبه على نبض حركة الشارع التونسى، نفرك العين إذا أسودت الشاشة بفعل الدخان والقنابل المسيلة للدموع، نفتح الآذان عن آخرها لنتلقف آخر الهتافات والأناشيد، ترتجف الأبدان لسقوط (الموتى) بالذخيرة (الحية)، أو وقوع الشهداء (الأحياء) بالرصاص (الميت) الذى تطلقه سلطة يائسة، تكاد يد تمتد إلى الشاشات تمنع الهراوات من الوصول لأجساد المتظاهرين، وتحاول الأخرى تضميد جراح المصابين، ودفعهم لمواصلة العصيان والتمرد الجامح، نواصل الكر والفر مع التحركات الزاحفة، نقطب الجبين وتكفهر الملامح لرؤية المسئولين التونسيين وهم يكذبون ويتوعدون، ثم تلمع العيون، حين نرى نفس الوجوه وقد اعترتها الذلة والمسكنة، خاصة عندما أعلن كبيرهم إقالة الوزارة والامتناع عن الترشح للرئاسة والاعتراف بحقوق الشعب، لكن شعب الخضراء قد اتخذ قراره النهائى: لا حياة لتونس إلا بخروج الرئيس ومحاكمته، وبرغم ترحيب النخبة (المعارضة) بقرارات بن على، كعادة كل النخب التى توقف طموحها عند الإصلاحات الجزئية، إلا أن الجماهير المؤمنة بقدرتها على تغيير المنكر باليد والقلب واللسان، خاضت المعركة حتى النفس الأخير وقدمت الشهداء والمصابين، لتفوز بخيار التغيير الجذرى لرأس النظام وسياساته وأدواته وأساليبه، وفساده واستبداده، وهذا هو أهم وأنبل وأشرف درس يمكن أن نتعلمه من ثورة الشعب التونسى، أنه لا تغيير دون إيمان، ولا إيمان دون ثقة مطلقة فى الجماهير صاحبة المصلحة، ولا ثقة دون مصداقية، ولا مصداقية دون تضحيات.. مبروك الفرحة التونسية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة