نخطىء اذا ربطنا بين البحث عن الجناه فى جريمة الاعتداء الإرهابى على كنيسة القديسين وبين البحث عن اسباب الاحتقان الطائفى الذى تشهده مصر خلال السنوات الأخيرة، فجريمة الإسكندرية لا تصنف إلا على أنها جريمة إرهابية خيوطها خارج مصر حتى لو كان التنفيذ بيد مصرية غادرة لا تعبر عن مسلمى مصر ولا أقباطها، لذلك فالتعامل مع هذه الجريمة يجب أن يتم من خلال الوصول للمنفذين ومن يرتبط بهم ومن يحركونهم من الخارج لبتر هذه الأيدى وقطع كل الخطوط التى تربطها بالخارج.
تبقى قضية معالجة الاحتقان الطائفى الذى طرأ على الساحة المصرية فى السنوات الأخيرة تغذية مشكلات صغيرة وشكوك فى النوايا وشكاوى الأقباط من مشكلات مكررة ومتراكمة من معاناتهم فى إنشاء الكنائس يقابلها شعور المسلمين باستقواء الأقباط بالكنيسة وأحيانا بالخارج عند أى خلاف عادى، ويغذى ذلك كله استخدام الإعلام والإنترنت فى نشر التعصب الطائفى من خلال قنوات فضائية ومواقع تحض على الكراهية وتسب فى المقدسات وتنشر التطرف، وتعليقات متبادلة مسمومة بين القراء، وإن كان هناك على الجانب الآخر استخدام للإنترنت فى مواجهة هذه الدعوات المتطرفة، وكلنا رأينا كيف توحد المصريون جميعا على الفيس بوك فى مواجهة الهجوم الإرهابى الإجرامى على كنيسة القديسين وكيف ظهرت مبادرات لنشر التسامح ومواجهة التطرف منها مبادرة الداعية الإسلامى عمرو خالد.
ومع اتفاقى مع الآراء التى ترى خطورة نشر الكراهية والتعصب على الإنترنت وتقديرى لمبادرات نشر التسامح فإن كل ذلك يتعامل مع الأعراض الظاهرة ولا ينفذ لأصل المرض وأسبابه .
أصل المرض هو أن الشخصية المصرية نفسها تتغير وتصبح أقل تسامحا وأكثر احتقانا، وأن هذا لا يظهر فقط فى العلاقة بين المسلم والمسيحى، لكن يظهر أيضا عند أول خلاف بين الجيران أو فى العمل أو فى الشارع، فكل واحد متربص بالآخر، والأصوات ترتفع عند أول نقاش والعنف اللفظى والبدنى هو الغالب على الخلاف الهادئ الحضارى والسلاح جاهز والجريمة واردة فى كل لحظة .
علينا إذن نعالج الشخصية المصرية المسلمة والمسيحية وأن نبحث عن أسباب هذا الاحتقان وسنجدها كثيرة من ضغوط المعيشة إلى انعدام تكافؤ الفرص إلى انتشار الفساد وغياب القانون، إلى الفجوة الهائلة التى تزداد عمقا واتساعا بين الأغنياء غنى فاحش وبين الفقراء الذين فقدوا أى أمل فى الحياة الكريمة واختفاء الطبقة الوسطى التى كانت رمانة الميزان للمجتمع، إلى شيوع قيم الفهلوة واستغلال الآخر واستيلاء ذوى النفوذ على مقدرات الدولة من الأراضى إلى أموال العلاج المخصصة للفقراء، إلى شعور المواطن بالمهانة وفقدان الاحترام فى كل مكان من أى مكتب حكومى إلى قسم الشرطة، وغياب أى فرصة للمشاركة الحقيقية فى المجتمع فالأحزاب الموجودة أغلبها عائلية لا ثقل لها فى الشارع وهى مجرد "سبابيب" لأشخاص محددين يقومون بدور الكومبارس للحزب الوحيد الحاكم المسيطر والمتحكم فى كل شىء دون أمل فى أى تحسن أو إصلاح .
وفى ظل هذه الأوضاع يشعر الجميع بأن القانون لا يحميهم وأن البلد ليست بلدهم، فيتوجه الأقباط نحو الكنيسة يبحثون فيها عن الحماية، كما يشعر المسلمون أنهم لا ظهر لهم ولا سند فى مواجهة استقواء الأقباط بالكنيسة وما يشاع عن استقوائهم بالخارج، ويزيد شعور الجميع بالظلم من الآخر ومن الدولة ويزيد التطرف والاحتقان المتبادل.
القضية إذن ليست فى بناء المساجد ولا الكنائس - رغم أهمية التعامل معها - لأن المسلمين جميعا يدركون أن الإسلام ليس ضد بناء الكنائس، لكن القضية هى الشخصية المصرية التى تغيرت والتى تحتاج ترميما سريعا يبدأ من الأسرة والمدرسة لكنه لن يحدث إلا بعد أن يظهر دور الدولة لتدافع عن أفرادها وتتصالح مع المجتمع وتعيد الحقوق للمظلومين وتعيد الثقة للمواطن وتعالج كل ما أشرنا إليه من مسببات المرض .
المواطن المصرى يحتاج إلى الدولة لتحميه وساعتها لن يحتمى بالكنيسة ولن يكون هدفا للمتطرفين أو من يبحثون عن ثغرة لاختراق هذا الوطن، وحين تظهر الدولة القوية لتحمى ظهر أبنائها جميعا دون تفرقة، وحين يكون القانون هو سلاح الضعيف ضد القوى وحين يشعر الموطن بالمساواه والعدالة مع أى مواطن آخر فسوف يذهب للمسجد والكنيسة للصلاة والتعبد فقط وليس للاحتماء أو الاحتجاج أو الغضب، وبالتأكيد فإن كل مرة سيذهب فيها سيزيد رضاء وتسامحا وحبا وتقبلا للآخر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة