الأصل فى طبيعة البشر، الإخلاص.. خلقنا الله مخلصين.. له.. لأنفسنا.. للقيم والمبادىء الإنسانية.. لمعتقدنا الدينى، أيا ما كان.. لقيمة العمل.. ولأننا بشر فقد نبتت كراهية– الإخلاص– داخلنا منذ لحظة الحياة الأولى على الأرض.. ظلت تنمو وتزدهر بتناسل البشر وانتشارهم فى البرية.. وعبر ملايين السنين.. زاد عدد الكارهين للإخلاص.. والمحاربين للمخلصين.. بشكل يخالف فطرة البشر التى فطروا عليها.. وبقى الإخلاص داخلنا.. ينتصر أحيانا ويصارع أحيانا.. ولكنه مازال حيا.. حتى لو بدا للناظرين أنه ذهب مع الريح!
تنظر حولك يمينا ويسارا.. تجد مشهدا يمتلىء عن آخره بعديمى الكفاءة والمتسلقين الذين يخلو قاموس حياتهم من كلمة إخلاص.. يحصدون ثمارا لم تزرعها أيديهم.. يحتلون أرقى الدرجات والمناصب.. يعملون جاهدين على إسدال الستائر على كل المخلصين فى عملهم، حتى لا يراهم أحد.. فيصيب بعضهم الإحباط واليأس.. ويدفع بعضهم الآخر للتشبث بإخلاصهم والاحتماء به والإصرار عليه.. ليستمر صراع غير متكافىء أبدا.. لا يقضى على أولئك المتربصين.. لكنه ينثر بذور بوادر الأمل فى المشهد الذى تنظر إليه مندهشا.. وهو انتصار فى حد ذاته!
ولأن الأمل توأم الحياة.. كلاهما يعيش بالآخر.. وهو دافع للبهجة فى النفوس.. فكل ما تشم فيه أو منه رائحة أمل.. يجعلك مبتهجا.. تماما كالبهجة التى أشاعها السيد بان كى مون، الأمين العام للأمم المتحدة، ثلاثة مرات.. فى ثلاثة أعوام.. 2008 و2009 و2010 إعلانه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.. التقدير للدور المهم الذى تقوم به الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى فى التنمية المستدامة.. والحد من مخاطر الكوارث.. إعلان بثته وكالات الأنباء.. بالعديد من اللغات.. ذكرت اسم مصر كثيرا فهى بلد المقر للأكاديمية.. وذكرت اسم الدكتور محمد فرغلى كثيرا، فهو رئيسها.. إنه واحد من بذور الأمل المنثورة فى المشهد العام.. لا ينتبه لها سوى الباحثين عن الإخلاص.. المبتهجين باستمراره حيا.. أما كراهية من أصحاب القصور فى التفكير.. فهم فى غيهم ماضون!!..
الأكاديمية العربية التى تستقر فى مدينة الإسكندرية منذ سنوات طويلة.. مادة أزرعها فى محافظات مصرية أخرى.. وبلدان عربية مجاورة.. راسية على أعمدة الإخلاص فى العمل التى دق أوتادها فى الأرض بمهارة الدكتور محمد فرغلى رئيس الأكاديمية.. الإخلاص بلا انتظار لمقابل.. ولا اكتراث بظهور أو دعاية.. الإخلاص للإخلاص.. وهو أمر يشيع تلك البهجة المحببة التى تربطك بالحياة.. فتنتج وتبدع وتظل واقفا.. بينما لا أولئك من حزب الكارهين رغم كل شىء لا تحملهم أقدامهم.. فتتهاوى أجسادهم وإن طال الزمن!
لم تختر الأمم المتحدة الأكاديمية بـ"كارت توصية".. ولا اختارت الدكتور فرغلى عضوا فى اللجنة الفنية والعلمية للإستراتيجية الدولية للحد من الكوارث.. باعتبار المجاملة.. فاللجنة تقوم بمراجعة سياسات وأنشطة أمانة الأمم المتحدة للإستراتيجية الدولية للحد من الكوارث.. اختيار الرجل كان ثمرة رحلة زراعة طويلة للإخلاص فى العمل.. بذر فيها البذور ورواها وقام برعايتها.. المتابع لنشاطات الأكاديمية المتعددة.. وإسهاماتها المتتالية محليا وإقليميا ودوليا.. يدرك جيدا قيمة رعاية نبتة الإخلاص داخل البشر.. وعندما تنمو داخلهم لا ترى عيونهم معاول الإحباط المشهرة حولهم.. يمضون فى طريقهم المملوء بالعثرات حارثين الأرض بانتظام.. ومقطعين ما تطاله أيديهم من سيقان "اللبلاب"!
وتلك شيمة مهمة من شيم المخلصين.. يمتلكون القدرة على اجتثاث تلك السيقان اللعينة الهشة.. وبث روح فى المحيطين بهم.. تشعل حرارتها النيران فى أوراقه.. فتحترق ببطء.. تذر الرياح رمادها بعد حين!
كاتبة صحفية بالأهرام.*