كتبت الأسبوع الماضى عن إيران، وقارنت بين وضعها الاقتصادى الكلى وبين اهتمامها البالغ بصناعة السلاح، خاصة بعض الأنواع المتميزة والممنوعة عن الدول الإسلامية كالصواريخ البالستية، وحذرت من أن إيران تسير بخطى حثيثة للوقوع فى الفخ الذى وقع فيه الاتحاد السوفيتى السابق عندما اهتم بتكنولوجيا وصناعة السلاح، والحفاظ على التوازن الاستراتيجى مع الولايات المتحدة وأوروبا وحلفائهم، وفى نفس الوقت لم يهتم ببناء اقتصاد كلى قوى، الأمر الذى أدى به للانهيار المدوى الذى شاهده العالم أجمع، لكن الكثير من القراء اعتبروا كلامى معاديا لإيران رغم أن حقيقة الأمر أن كلامى فى مصلحة إيران لأنه نصيحة بأهمية الحفاظ على التوازن المهم والدقيق بين الإنفاق على التسلح وبين تنمية وتطوير اقتصاد كلى نشط وفعال وناجح ومتنامى بنسب كبيرة، أو على الأقل متوسطة.
كثير منا تعودوا على القراءة المنقوصة للمقالات، وأعنى بالقراءة المنقوصة التركيز على جانب واحد من الأفكار العديدة الموجودة بالموضوع، وبناء موقف من المقال وصاحب المقال على هذه الفكرة الواحدة التى قطعا لا تمثل سوى جانب واحد من جوانب المقال وفكر صاحب المقال، وهذا كله وليد ديكتاتورية التفكير التى بات كثير منا يتميز بها، فالأمر فى التحليل الأخير إما أن تكون معى أو تكون ضدى، غير مقبول أن أكون معك وفى نفس الوقت أكون ضد بعض عيوبك، وهذه الآفة الفكرية سعى الإسلام إلى علاجها عندما قال النبى صلى الله عليه وسلم "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" قالوا يا رسول الله قد علمنا كيف ننصره مظلوما، ولكن كيف ننصره ظالما، فقال النبى صلى الله عليه وسلم "تنصره ظالما بأن تمنعه من الظلم"، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "الدين النصيحة" قالوا لمن يا رسول الله قال: "لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"، كما وضع الإسلام قضية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى القمة بين العديد من شرائع الإسلام، وجعلها محور الخيرية للمسلمين عندما قال تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ" آل عمران110.
ورغم ذلك كله فنحن نرفض النقد والتقييم مادام سيذكر عيوباً وأخطاء... نريده فقط نقدا وتقييما يشيد بالأمجاد ويتغنى بالبطولات، نريده نقدا وتقييما شاملا بشرط ألا يرى الكوب كاملا بل يرى فقط النصف المملوء من الكوب ويقول نصف الكوب مملوء ويسكت تماما عن النصف الفارغ فلا يأتى على ذكره لا بقليل ولا كثير، ويا حبذا لو أنه ادعى بأن الكوب كله مملوء كى لا نعطى أعداء الأمة فرصة لأن يطلعوا على سلبياتنا.
وفى الواقع فإن أى أمة أو حتى شخص لا يتقبل النقد ولا يقيم أفعاله بشكل شامل وموضوعى وبأسلوب يتسم بالصدق الكامل مع نفسه، فإنه يسد على نفسه كل أبواب علاج عيوبه وسلبياته وتطوير قدراته والرقى بإمكاناته.
لا يعقل أن أكتب أن صناعة إيران لسلاحها أمر مذموم، لكن يعقل أن نقول إن ذلك سيرهقها اقتصاديا ما لم يستند ذلك على ركيزة قوية من اقتصاد كلى قوى ومتنامى، فالمطلوب لا أن تتوقف عن التصنيع العسكرى المتقدم نسبيا، ولكن أن تقرن ذلك وتوازنه مع تقدم مماثل فى اقتصادها الكلى، والفكرة منطقية وسهلة ليس فقط لأن تجربة الاتحاد السوفيتى السابق ماثلة فى الأذهان، ولكن أيضا لأنها فكرة بسيطة نعيشها فى حياتنا اليومية، فلو أن أحدنا اقتنع بأهمية أن يلحق ابنه للدراسة بجامعة دولية مرموقة اعتماداً على دخله الاقتصادى المتقلب، ودون أن يكون ذا مقدرة اقتصادية راسخة ومتنامية، فإنه سرعان ما سيعجز عن تمويل نفقات دراسة ابنه وبدل من أن يتخرج الابن من جامعة مرموقة فإنه لن يتم تعليمه الجامعى مطلقا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة