الدكتور محمد سليم العوا، الأمين العام للمجلس العالمى لعلماء المسلمين، والدكتور محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، شخصيتان عامتان محسوبتان على الطبقة المثقفة، ويفترض أن يكونا شغلهما الشاغل إنارة الطريق للعامة للتخلص من كمائن التطرف والتشدد والغلو المنتشرة عليه، وعوضا عن الاضطلاع بهذه المهمة الدقيقة، فإنهما باغتا مريديهما وأنصارهما بموقف غريب نهاية الأسبوع الفائت، جل غرضه تحريض الأقباط واستفزازهم فى وقت تنتظر فيه الفتنة الطائفية البغيضة عود كبريت صغير للتفجر والانتشار.
فقد حل الدكتور العوا ضيفا على أحد برامج قناة الجزيرة الفضائية، وتحدث بنبرة حادة ذاكرا: إن المسيحيين يخزنون السلاح فى الكنائس، وإن الدولة ضعيفة أمام الكنيسة والبابا شنودة لأنها ضعيفة ـ قاصدا الدولة ـ بشكل عام، فهى بنص حديثه مع القهر والديكتاتورية والفساد، وتنازلت عن بعض استبدادها للكنيسة لتتعامل به مع المتحولين للإسلام، الكلام خطير، حتى ولو كان يردده كثيرون فى جلسات السمر والنميمة، ولا يجب أن يمر هكذا بدون التوقف عنده، لأنه سيكون سببا ودافعا قويا لجماعات وأفراد ضد الأقباط الذين أصبحوا فى رأى هذه الفئة يشكلون خطرا داهما ليس على الأغلبية المسلمة فقط ولكن على الدولة المصرية ذاتها.
وستؤخذ تصريحات العوا الأنفة حجة وذريعة للتباعد والانشقاق بين المسلمين والمسيحيين، واتساع انعدام الثقة بين الطرفين المفترض إنهما أبناء وطن واحد، بصرف النظر عن خانة الديانة المدونة فى بطاقة الرقم القومى، كما أنها ستثير الأقباط الذين سيهرعون لنفى شائعات تخزينهم السلاح، وسيبدون دهشتهم من إطلاقها وسيردون بأنه لا توجد لديهم حاجة لرفع السلاح ولمن سيوجه، وأنهم ليسوا خونة لبلادهم التى يعتزون بانتمائهم إليها، ولا أستبعد أن يستغل شخص مهووس وغير متزن ما قاله العوا للتفكير فى مهاجمة كنائس أو أقباط ، حتى لا يفرضوا سطوتهم طبقا لوجهة النظر تلك.
وليس لدى تفسير واضح لما بدر من الدكتور العوا ودوافعه لكننى اسأله: ما وجه الفائدة العائدة عليه وعلى مصر من كلامه، وماذا لديه من أسانيد وأدلة تؤكد صحة ما ذهب إليه؟
وإن كان الدكتور العوا قد دشن عن قصد أو غير قصد حملة تحريض مضادة للمسيحيين، فان الدكتور البرادعى بدوره سار على نفس الاتجاه ولكن فى مسار مغاير قليلا، فالرجل الحائز على جائزة نوبل للسلام، أعلن أن الأقلية القبطية لا تتمتع بحقوقها فى مصر ولابد إن ترفع صوتها دفاعا عن حقوقها، وان أكبر خطر يهدد المجتمع هو " طغيان الأغلبية" ـ الأغلبية هنا هم المسلمون ـ، وان المادة الثانية فى الدستور التى تنص على أن الدين الاسلامى هو مصدر التشريع هى المسئولة عن الفقر والفساد، دون أن يوضح كيف يمكن لهذه المادة أن تحدث هذا التأثير، ورحب بأن يكون رئيس الجمهورية قبطيا أو سيدة.
وفى رأيى فان تصريحه يدعو الأقباط للانتفاض وإعلاء صوتهم بحكم كونهم أقلية دينية، ولكى يتم ذلك فانه يفتح لهم أبواب التظاهر بداعى وبدون داعى ارتكانا إلى أن حقهم مهضوم ولا يصح. السكوت أكثر من هذا، أيضا فإنه ناصب العداء للأغلبية الطاغية التى لن يعجبها حديثه عن إلغاء المادة الثانية للدستور، وسيتهم بمحاباة المسيحيين على حساب المسلمين الذين يعانون الأمرين، بينما الأقباط يحكمون السيطرة على مقدرات اقتصادية ومالية تتيح لهم التمتع بمزايا كثيرة ليس باستطاعة المسلم نيلها، المحصلة ستكون تحريض وتحريض مضاد والثمن المدفوع سيكون عاليا، إذ إن هناك من يقبع فى الظل منتظرا اشتعال فتيل الفتنة بين المسلمين والمسيحيين لتأجيجها، ألم يكن أفضل لو أن البرادعى والعوا قدما لغة التعقل والاتزان على الاستفزاز والنعرة الطائفية، ألم يكن حريا بهما أن رغبا فى مناقشة علمية لمشكلات مصر الاجتماعية والدينية أن يكون مدخلهما البحث عن الجذور المسببة لها، فما صدر منهما لن يقود إلا إلى الكراهية والبغض، فما المكسب الذى سيجنى من خلفهما؟. إن مصر أحوج ما تكون للعقلاء فى كل المستويات سواء كانت سياسية أو دينية أو اجتماعية أو اقتصادية، غير أن الواقع يكشف عن أننا نعيش لحظة النافخين فى النار لتزيد اشتعالا وتوهجا ولا عزاء لاحتراق الوطن بها.