أشفقت على السيد الرئيس من رجاله معدومى الكفاءة واللياقة والذوق، صحيح أن السيد الرئيس لم يقم بأفعال تستحق التمجيد، إلا أنه مازال رأس السلطة والشرعية فى مصر، ومن ثم وجب على الأجهزة التنفيذية والنيابية التى تدين بوجودها لسيادته، أن تضع فى عينيها حصوة ملح، وترد الجميل للرجل، فإذا كان للمعارضة وحركات التغيير الحق فى نقده أو رفض استمراره، فالأسباب مفهومة، أما الذين ارتبطت كراسيهم بأنفاسه، فالطبيعى أن يضعوا ولى نعمتهم وسبب سعدهم، وهناهم فى أعلى منزلة.
والمسألة ببساطة أننى تلقيت دعوة كريمة من السيد المستشار يحيى عبد المجيد محافظ الشرقية، لحضور الاحتفال بالعيد القومى للشرقية والذى يؤرخ له بوقفة الزعيم الوطنى أحمد عرابى فى مواجهة الخديوى توفيق ممتطياً حصانه ليبلغه مطالب الجيش والشعب، لم أستطع رفض الدعوة، لأن الشرقية بلدى ومسقط رأسى ومهد صباى.. المهم كان الاحتفال على هيئة (منصة وعرض)، وهو طقس يحبه البعض ويكرهه البعض ولكلٌ أسبابه، وبدأ العرض بسيارة يكرهها كل آدمى على وجه الأرض، وهى السيارة المصفحة والمجهزة لما يسمى بمكافحة الشغب، دخلت علينا السيارة كغراب البين بألوانها الكابية ومنافذها الشبكية الغامضة، وعلى صدرها صورة كبيرة بالألوان للسيد الرئيس وبجوارها صورة بالحجم نفسه للسيد حبيب العادلى.
البداية كانت رسالة واضحة، أن عصر الرئيس أو مشروع الرئيس يتلخص فى هذا المشهد الافتتاحى الغريب، وسألت نفسى إذا كانت حكومة الحزب الوطنى تصور الرئيس على هذا النحو، فماذا تفعل المعارضة؟ ولم يكتفِ منظمو العرض بهذه الفضيحة، فقد تمادوا فيها بشكل يستوجب محاكمتهم بتهمة الإساءة للسيد الرئيس، فبعد سيارة مكافحة الشغب شاهدنا فاصلاً من أفراد الشرطة فى استعراضات رياضية يستخدمون فيها العصى الكهربية التى يضربون بها المتظاهرين، بالإضافة لعروض أخرى كلها تتعلق بمقاومة الشغب، من كاراتيه وتمارين تصويب على شعب مصر المشاغب وسيارات إسعاف ونجدة ومرور ومطافئ وراكبى موتوسيكلات وسيارات الونش كأن مصر المحروسة قد تعرضت لطوفان أو حريق، أو حدث بها انقلاب.. المهم أن العرض احتفى أيضاً بالسيدة الأولى، التى وضعوا صورة كبيرة لها أعلى سيارة مكتبات باعتبارها راعية الثقافة والقراءة، وتوقفت العربة قليلاً، ففتحوا بابها الخلفى لتخرج منه حمامات عصر السلام وسط هديل مذيع الحفل ترحيباً بالحمام والسلام والبلهنية والترف الذى تحيا فيه مصر، وبعد مرور العربة التى تمثل السيدة الأولى، توقع الحاضرون الخبثاء، ونحن منهم، أن العربة القادمة ستكون للابن أمين لجنة السياسات، لكنها للأسف لم تأتِ، يبدو أن بها عطلاً أو فى حاجة إلى سمكرة، لكن كارثة العرض تتلخص فى مشهد أرادوا به تجسيد موقف عرابى مع الخديوى فى قصر عابدين، كان المشهد كاريكاتيرياً، فقد أصاب الخرس ميكروفونات الأبطال، فجاءت الفقرة الخاصة بعرابى فضيحة متقطعة الصوت، ربما لأن كلماتها الخطيرة أخرست الميكروفون وكانت مسك الختام أغنية فاطمة عيد (سلامات على البلديات) وبعدها أغنية (اخترناك)، لكن لم يقل أحد: اختاروه ليه؟