ماذا بعد حرق المصاحف وتمزيق صفحات كتاب الله؟ ماذا بعد الاعتداء الغاشم على أقدس المقدسات؟ المجموعات المتطرفة فى الولايات المتحدة تسعى لترويج كذبة أن الإسلام دين يدعو للعنف وأن المسلمين كلهم أعضاء فى تنظيم القاعدة، وهم يعمدون إلى أقصى درجات الاستفزاز والإهانة للمسلمين الأمريكيين خصوصاً، حتى يردوا على الإهانة بالإهانة ويواجهوا النار بالنار.
هؤلاء المتطرفون يعلمون تماماً أن وسائل الإعلام تنتظر ردود الأفعال الغاضبة أو المتهورة من المسلمين، كما يعلمون أن كثيراً من الآذان لا تسمع الآن أصوات العقل ، حتى لو كان من بينها صوت الرئيس الأمريكى نفسه وأصوات المفكرين الأمناء على المبادئ الأمريكية وفى القلب منها حرية الاعتقاد.
رد الفعل السهل هو مواجهة الجهل بالجهل والإهانة بالإهانة والإحراق بالإحراق، على طريقة تلك المجموعة الغاضبة فى جنوب أفريقيا التى حاولت حرق الكتاب المقدس رداعلى حرق المصحف، دون أن يسألوا أنفسهم هل الكتاب المقدس هو من قام بإحراق المصحف فى ولاية كنساس وأمام مركز التجارة العالمى؟ وهل ينسحب فعل مجموعات قليلة من المتطرفين المسيحيين على عموم المسيحيين فى العالم؟ التفكير بهذه الطريقة يشبة تفكير المتطرفين حارقى المصاحف الذين يعتبرون كل المسلمين أعضاء فى تنظيم القاعدة.
فكروا معى قليلاً، ماذا استفاد المتطرفون حارقو المصحف الشريف من فعلهم المشين هذا؟ لا شئ إطلاقاً، لكنهم خسروا الكثير من التعاطف والاحترام وتم دمغهم بالتطرف والجهل والجنون والإساءة إلى المبادئ الأمريكية الثابتة، والعنصرية، بينما استفاد المسلمون فى الغرب خصوصاً فائدة كبيرة جداً، لأنهم أثبتوا للعالم عبر أفعال المتطرفين أن العنف والهمجية وعدم قبول الآخر هى أفعال وممارسات كذب من ألصقها بالمسلمين وأثبتت الأحداث الأخيرة أنهم هم أول ضحاياها.
ماذا لو استمر المسلمون خصوصاً فى الغرب على موقفهم الهجومى السلمى، الذى يعتمد على محاكمة المتطرفين الجهلاء من حارقى المصاحف قياساً على المبادئ الإنسانية العامة وميثاق حقوق الإنسان؟ سيربحون بالطبع وسينجحون فى إزاحة كل أشكال التشوية والافتراء التى لحقت بصورة المسلم خلال السنوات الأخيرة.
التسامح الحازم إذن أقوى من الغضب، ألم يخبرنا الرسول الكريم بأن "ليس الشديد بالصرعة و إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
ألم يحدد القرآن الكريم أسلوب التعامل مع الجهلاء والأجلاف والحمقى والأغبياء المعتدين بقوله تعالى مخاطبا المؤمنين ، "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً".
البطل فى هذه المعركة الرمزية التى تدور حالياً على الأرض الأمريكية هو التسامح، هو كلمة السر الكاشفة لمعسكر العنصرية والعدوان، ربما يبدو لأول وهلة غير مرض للمتحمسين المنفعلين، لكنه الجواد الرابح بشرط إدارة صراع التسامح بحزم يؤدى إلى حصر المتطرفين الجهلاء فى الزاوية التى تليق بهم وتسليط الضوء عليهم وعلى ممارساتهم البغيضة، وهذا وحده كاف لأن يلفظهم العالم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة