أصبح من المألوف فى مصر أن يُسأل المرء أسئلة لها علاقة مباشرة بتدينه مثل هل أنت صائم؟ صائم على ماذا؟ زيت ولا بياض؟ أنت من أى دين؟ أو من أى طائفة؟ ثم السؤال التالى مباشرة هو الدخول فى جدل، أى دين أصبح أو أى طائفة تفسيرها "أظبط" وإلى آخره.
وكثيراً ما تنتهى هذه المناقشات بنوع من التوتر وهذه ظواهر دليل على تنامى التشدد الدينى وعدم احترام الآخر أو قبول إيمانه ومعتقداته وتقاليده، وينتج من ذلك عدم احترام الحرية الشخصية لكل شخص فى المجتمع، وفى أن يختار لنفسه النمط الإيمانى والحياتى الذى يناسب قناعاته الشخصية، يقول القديس أوغسطينوس "إن حريتى تقف حينما تبدأ حرية الآخر"، ولكن السائد الآن هو العكس تماماً حريتى هى أن "تبطل حرية الآخرين" وجعل الآخر يشارك "بالعافية" فى نفس المعتقدات والطقوس التى أؤمن بها.
إن المجتمع المصرى متنوع دينياً وثقافياً، لذا يتوجب على المتدين احترام الآخر المختلف عنه دينياً أو طائفيا طالما الآخر لا يؤذيه ولا يبطل فرائضه، كيف يريد المتشددون دينياً أن نصدقهم، حين يطالبون بحرية ارتداء ما يشاءون أو بناء ما يريدون أو احترام طقوسهم فيما هم يطالبوننا، ويمتنعون فى فعل ذلك مع الآخر ويحرمون عليه معتقداته.
لقد حاربت الشيوعية والأنظمة الشمولية فى القرن الماضى الحريات على أنواعها وانتصرت الحرية فى آخر المطاف خاصة الحرية الدينية، غير أن الوضع اليوم أصبح على النقيض تماماً، حيث أصبح التحرر من وطأة التشدد والتعصب الدينى هو هدف العديد من الناس، وفى بلادنا حل التعصب الدينى مكان الأنظمة الشمولية، بحيث صارت الحاجة ماسة لتأمين الحريات الدينية خاصة المختلفين فى الدين أو الطائفة، فالعيش المشترك ليس تنازلاً عن الحرية الشخصية ولا يجب أن يكون نفاقاً أو خُطبا جوفاء، وليس العيش المشترك تسامحاً يمن به القوى أو الأكثر عدداً على الضعيف أو الأقل عدداً، ولكن العيش المشترك أن يكون قبولاً بالشريك الآخر، كما يرغب هو أن يكون منسجماً مع ذاته ومع الآخر.