قبل يومين من الموعد الذى حدده القس الأمريكى تيرى جونز لحرق نسخ من المصحف الشريف، ظهر الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى برنامج صباح الخير يا أمريكا على محطة ABC، ليس فقط لإدانة الحدث ومناشدة القس التراجع عن فعلته الشنعاء، وإنما لتحذير الأمريكيين من أن مصالحهم داخل البلاد وخارجها ستكون فى خطر داهم.
وخاطب أوباما القس جونز قائلا: "إنه لا يشك فى إيمانه"، لكنه وحسب ما قال أوباما "أدعوه للاستماع إلى ملائكة أفضل".. وأعتقد أن أوباما استخدم ألفاظا مهذبة بحكم منصبه الرئاسى، فلا توجد ملائكة أفضل من الأخرى، وربما أراد الرئيس الأمريكى أن يقول لجونز ألا يستمع إلى شياطينه، لأن الملائكة لا تدعو إلى إحراق الكتب المقدسة!
وبعيدا عن ملائكة وشياطين المحترم جونز، فإن الضجة التى أثارها تؤكد أننا نعيش فى عالم جديد، تحول فعلا إلى قرية صغيرة، لدرجة أن أى خبر فى أى مكان فى العالم أصبح يهز العالم كله ويؤثر على حياة الناس.. صحيح أن الدعوة إلى حرق المصحف تؤثر على نحو مليار وثلاثمائة مليون مسلم، لكن ردود الأفعال التى أثارها الخبر تجاوزت حدود العالم الإسلامى والمسلمين لتؤثر على العالم كله دون استثناء.
ومن يتابع الأيام الخمس التى سبقت تراجع القس جونز، سيلحظ بلا شك تظاهرات غاضبة فى كل أنحاء العالم، لم يشارك فيها المسلمون فقط، وإنما امتدت لتشمل أتباعًا لأديان أخرى، وكما عارض الأزهر الشريف هذه الخطوة المجنونة، أدانها الفاتيكان بكل قوة، وهو ما فعله أيضا البابا شنودة الثالث بطريك الكرازة المرقسية وبابا الإسكندرية.
ولم تقل مواقف القادة الأوروبيين والغربيين عن مواقف القيادات الدينية والروحية فى العالم، ولم يكن باعث غضبهم متعلقًا بالأمور الروحية والدينية، وإنما لأن إحراق نسخ من المصحف الشريف من شأنه إشعال حرب باردة بين الغرب والإسلام، وموجات من الكراهية والحروب الدينية فى كل مكان فى العالم.
لذلك لم يكن غريبا قول أوباما أن حرق المصحف يعرض حياة الجنود الأمريكيين فى العراق وأفغانستان للخطر، والمصالح الأمريكية فى الداخل والخارج لهجمات إرهابية، وسارع بتكليف وزير دفاعه بالاتصال بالقس جونز وشرح المخاطر التى تترتب على خطوته على الأمن القومى الأمريكى، وربما مارس عليه ضغوطا حتى يتخلص من شياطينه.