لا يستطيع أحد إنكار أهمية الابتكارات والمنتجات التكنولوجية لتقدم البلاد وما تساهم به لخدمة الأفراد والحكومات، ولكن تبقى مشكلة كيفية التخلص أو التقليل من التأثيرات السلبية لتلك التكنولوجيا على البيئة وكيفية التخلص الآمن من مخلفاتها؟
هذا كان التحدى الذى قبل المسئولون مواجهته، حيث وقع كل من الدكتور طارق كامل وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والمهندس ماجد جورج وزير الدولة لشئون البيئة بتوقيع بروتوكول للتعاون المشترك بين الوزارتين بشأن إستراتيجية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الصديقة للبيئة (التكنولوجيا الخضراء)، ويهدف ذلك البروتوكول إلى الحد من الآثار البيئية الضارة الناجمة عن التوسع فى استخدام أجهزة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والعمل على حماية البيئة من المخاطر السلبية للتكنولوجيا من خلال إتباع الطرق والأساليب البيئية والعلمية السليمة للتخلص الآمن من المخلفات والنفايات الالكترونية، ودعم استخدام نظم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات كوسيلة مساعدة للحد من الانبعاثات الناتجة عن القطاعات الأخرى، مما طرح سؤالاً هاماً وهو، هل سيستطيع القطاع الحكومى والقطاع الخاص النجاح فى تطبيق هذا البوتوكول وتطبيق التكنولوجيا الخضراء فى مصر أم سيكون هناك ما يعوق تنفيذه؟!
قال أسامة كمال الرئيس التنفيذى لأحد الشركات المتخصصة فى التكنولوجيا إن الحديث عن التكنولوجيا الخضراء يحمل بعدين أساسيين أولهما بيئى وهو متّصل بهاجس عالمى عن استفحال ظاهرة الاحتباس الحراري، والآخر اقتصادى يُركّز على تقليل موارد الطاقة وضمان الاستخدام الأمثل لها، ويأتى افتتاح أول مصنع فى مصر لتدوير المخلفات التكنولوجية "e-waste" كخطوة أولية وعملية لتطبيق هذا البروتوكول، فلا يخفى على أحد أن تلك المخلفات تشكل قنبلة بيئية موقوتة، حيث يتم التخلص سنوياً فى مصر من ملايين التليفونات المحمولة والبطاريات والشاشات والشرائح وغيرها، ولا نعلم أين تذهب كل تلك المخلفات شديدة الضرر بالبيئة والتى تحتاج لمئات السنين لتتحلل فى التربة، فضلاً عن عدم توافر الوعى بخطورتها أو طريقة منظمة لجمعها والتخلص منها أو إعادة تدويرها بشكل سليم.
وأوضح الدكتور "صلاح النجار" أستاذ الطاقة والبيئة بالجامعة الأمريكية أن هناك حلولا للاتصالات تلعب دوراً كبيراً فى تحسين البيئة لكن الموضوع يحتاج إلى توعية كبيرة، ومن ضمن تلك الحلول كان استخدام الانترنت الذى ساهم بشكل كبير فى تحسين البيئة وهذا من خلال خدماته الرقمية المختلفة كالبريد والمواقع الصحافية التى قللت من استخدام الورق، فضلاً عن الكاميرات الرقمية التى قللت من استهلاك الأفلام البلاستيكية، مما يبرز أهمية بروتوكول التكنولوجيا الخضراء الذى من شأنه وضع مصر ضمن الدول الرائدة فى هذا المجال.
ومن جانبه، أكد الدكتور طارق كامل وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات - فى تصريحات سابقة - أن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لا ينظر للتكنولوجيا الخضراء على انها مجرد رفاهية ولكننا على وعى كامل بهذا المجال والتحركات المختلفة الدولية التى تحدث فى هذا الصدد ومصر قررت ان تكون جزء من المنظومة العالمية للتكنولوجيا الخضراء، كما اننا نستثمر بقوة فى رفع الوعى المعلوماتى بالتكنولوجيا الصديقة حيث تم تأسيس شركة مصرية لتدوير المخلفات الاليكترونية والتى تعد بمثابة النواة للتعاون مع الشركات التى تعمل فى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فى ادارة المخلفات الالكترونية لتوطين مفهوم التكنولوجيا الخضراء.
وأشار كامل إلى أن الوزارة من خلال المواقع المختلفة التى تعمل بها، سواء فى القرية الذكية او المنطقة التكنولوجية الجديدة بالمعادى تسعى لتطبيق الحلول الخاصة بالتكنولوجيا الخضراء والمبانى الخضراء، مشيراً إلى أن تلك القضية متشابكة ومعقدة ولكن مشوار الالف ميل يبدأ بخطوة.
فى السياق ذاته، يوضح المهندس خالد ربيع مدير أحد الشركات المتخصصة فى صناعة الهواتف المحمولة ان الدراسات العلمية تؤكد أن تأثير قطاع الاتصالات والتكنولوجيا فى البيئة لا يتعدى 2 % ، ولكنها قد تتضاعف عام 2020، مشيراً إلى أن شركته تحل المشكلة بتخصيص جزءاً كبيراً من بحوثها للطاقة، وصنعت منتجات تتحمل درجات حرارة عالية ومن دون تكييف، مما يخفض استهلاك الطاقة بنسبة 60 %، إضافة الى منتجات تعتمد على الطاقة الشمسية.
وأوضح حاتم دويدار الرئيس التنفيذى لأبرز شركات الاتصالات بمصر ان شركته بدأت بقياس الانبعاثات الحرارية التى تبثها محطاتها كل 3 أشهر، بهدف تقليل تلك الانبعاثات فى حال زيادتها، إضافة إلى خفض استخدام الطاقة فى الشركة عموماً، وكذلك نفّذت الشركة مبادرات بيئية تجاه المجتمع، إذ أنشأت 200 محطة تقوية تعمل بالطاقة الشمسية، وتعتزم زيادتها فى مستقبل قريب، وكذلك تشاركت الشركة مع إحدى الجمعيات الأهلية فى البحر الأحمر لإعادة تدوير مُخَلّفات يبلغ مقدارها 16 ألف طن.
أضاف دويدار أن الشركة شرعت منذ سنوات بمبادرة تدوير أجهزة المحمول، فمنحت حوافز لمن يقدّم جهازاً أو بطارية مستعملين كى يعاد تدويرهما، وأعلنت أن عدد الأجهزة التى وصلت الى الشركة بهذه الطريقة بلغ 15 ألف جهاز، مؤكدا على أهمية طريقة شحن الرصيد على الهواء، كجزء من جهود تقليل المُخَلّفات.
ونبّه إلى أن الشركة خلال 3 سنوات ستقلل من الانبعاثات الناتجة عن المحطات والمبانى بنسبة 20% ولذلك فإن الشركة تعمل خلال عدد من المحاور تتمثل أولها فى وجود أنظمة ذكية لقياس ومراقبة المبانى الخاصة بالشركة بجانب وجود محطات صديقة للبيئة فى المحميات الطبيعية تعمل بالطاقة الشمسية، مقترحا أن يكون هناك قوانين وتشريعات لدعم الإدارة الرشيدة للمخلفات الاليكترونية وبرامج تطبيق حلول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لضمان مستقبل أكثر استدامة، داعياً جميع القطاعات الأخرى فى الدولة لتحذو حذو قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتحقيق بيئة خضراء خالية من التلوث.
وفى النهاية يتضح أن كل من القطاع الخاص والعام للدولة بدأوا فى اتخاذ خطوات جادة فى المسيرة "الخضراء" ولكن يظل مدى نجاح التجربة سؤالاً لا إجابه له فى الوقت الحالى ، على أن يجاوب الزمن وحده على هذا السؤال.
– إشراف أكرم سامى فى إطار مشروع المركز الدولى للصحفيين "صحافة المواطن"
بين الاستنكار والإقرار..
هل ستنجح مصر فى تطبيق التكنولوجيا الخضراء؟
السبت، 11 سبتمبر 2010 01:27 م
تأثير قطاع الاتصالات والتكنولوجيا فى البيئة لا يتعدى 2%
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة