فى وداع أيام وليالى شهر رمضان المعظم لا يملك المرء منا سوى البكاء المستمر على ما اقترفه من ذنوب ومعاصى، سائلين المولىـ عز وجل ـ أن يغفر لنا إياها، وفى ختام الشهر الكريم نتطلع شوقاً وهياماً إلى عتق من النار وسطوتها، آملين فى رحمة مطلقة من عند الله.
ونحن نتحدث عن الرحمة والرقة وكريم الخلق لنا فى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة كما وجهنا الله إلى ذلك، فرسول الله كان كريم العشرة مع زوجاته وسائر أهله؛ يلاطفهن ويعاملهن بالرحمة والود والإحسان، ونستدل على ذلك بقوله ( صلى الله عليه وسلم)، "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى"، وقوله (صلى الله عليه وسلم )، "إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله". ولقد سئلت السيدة عائشة (رضى الله عنها وعن أبيها الصديق)، كيف كان رسول الله إذا خلا فى بيته؟ فأجابت بقولها البليغ، "كان ألين الناس بسّاماً ضحّاكاً".
ومن كريم رحمته (صلى الله عليه وسلم) مع أهله ما رواه الإمام أحمد فى مسنده أنه كان يسابق زوجته السيدة عائشة وقد سابقها مرة فسبقته هى حتى إذا ما مضت فترة قال لها، تعالى أسابقك، وتقول السيدة عائشة، وكنت بدنت، فسبقنى وجعل يضحك ويقول، هذه بتلك". هكذا كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بشوشاً بساماً غير عبوس الوجه كمعظم المتأسلمين ومدعى التدين هذه الأحايين مدعياً أن اقتضاب الوجه والتجهم سمة رئيسة من سمات الإيمان.
ومن رحمة النبى ( صلى الله عليه وسلم) ورقته مع الناس أنه كان يصغى كل الإصغاء إلى من يحدثه أو يسأله سؤالاً، ويروى أبو داوود فى سننه عن أنس (رضى الله عنه)، ما رأيت رجلاً التقم أذن النبى (صلى الله عليه وسلم) أى يكلمه سراً، فينحّى رأسه عنه حتى يكون الرجل هو الذى ينحّى".
وما أجمل رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) حينما كان يقابل أحداً ويصافحه، فلا ينزع يده حتى يكون الرجل هو الذى يرسله، وكان أطلق الناس وجهاً، وأكثرهم تبسماً، وقد قال لعمار لما قدم عليه، "مرحباً بالطيب المطيّب". وكثيراً ما كان رسول الله يبتسم فى وجوه أصحابه الصالحين حين يلقاهم، وليتنا نفعل كما كان يفعل سيد المرسلين وخاتمهم.
وإذا كنا قد اقتربنا من نهاية هذا الشهر العظيم وقد انفرط قلبنا إيماناً واحتساباً وورعاً بفضل الصيام والقيام وقراءة القرآن، فنبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) كان مثالاً رائعاً لرقة القلب ورقة المعاملة مع الصغار والكبار والنساء، وتروى كافة كتب السيرة النبوية الصحيحة أنه كان إذا رجع من سفره تلقاه الصبية من أهل بيته وبيوت المسلمين فرحين به لما علموا وفطنوا من لطفه وشفقته ولين معاملته. وعظيم أمر النبى وحاله (صلى الله عليه وسلم) حينما جمع بين رقة القلب والمعاملة وبين الوقار والأدب العظيم ورفعة الخلق والكرامة.
وها هو النبى الأكرم يزور ضعفاء المسلمين، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم، ويبشرهم بما يجبر خاطرهم وينسيهم ما هم فيه من فقر وضيق. وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى معاشرته للناس شديد الحياء والتواضع، واسع الصدر، حليماً، كريماً، رحيماً، صابراً على ما يلقاه من مكاره الفعل والقول والنية، يحفظ الود ويصون العهد.
ولك أن تتخيل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى طريقته وهو يعاتب، بالقطع من يحمل كافة الصفات والمناقب السابقة لابد وأن له طريقته الخاصة فى العتاب والتأديب، فقد كان رسول الله يسلك طرقاً مختلفة فى العتاب والتأديب، يراعى فيها الأحوال والمقامات والمقتضيات، منها الإشارة، ومنها العبارة البليغة، ومنها الإعراض إن كان الأمر قاسياً يستحق العقاب الشديد.
ومن أبواب عتابه (صلى الله عليه وسلم)، ما عاتب به أبا ذر الغفارى (رضى الله عنه) حينما قال أبو ذر لعبد عنه، يا ابن السوداء. فشكا العبد أبا ذر فى حضرة رسول الله، فما كان من النبى (صلى الله عليه وسلم) إلا أن قال له، "إنك امرؤ فيك جاهلية، أعيرته بأمه". وفى حقيقة القول هذا يعد عتاباً شديداً لأبى ذر.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وسيدنا وإمامنا وقدوتنا وشفيعنا محمد، واجعلنا فى صحبته فى الفردوس الأعلى إن شاء الله. وكل عام وأنتم بخير.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة