فى عام 1824 تأسست فى إنجلترا أول جمعية للرفق بالحيوان باسم الجمعية الملكية للرفق بالحيوان بفضل جهود النائب الأيرلندى ريتشار مارتين، ثم صدر قانون يجرم الاعتداء على الماشية عرف باسم قانون مارتين، وعام 1849 صدر قانون آخر شمل كل الحيوانات ثم أنشئت العديد من جمعيات الرفق بالحيوان فى جميع أنحاء العالم، لكن أحدا لم يخطر بباله قط أنه قبل أن يولد ريتشار مارتين بألف عام كان هناك من يهتم بالحيوانات ويرعاها ويشيد العمائر المخصصة لها ويعتبر الاعتداء على تلك الحيوانات جريمة كبرى يودى بصاحبها إلى المهالك فى حياة الناس الدنيا وفى دار الحساب بعد الموت أنهم المسلمون، وبعيدا عن مارتين، لم تقتصر رحمة الإسلام على الإنسان فقط بل تعدت ذلك إلى الحيوانات وجعلت العطف عليهم سببا لمغفرة الذنوب ودخول الجنة وقد أخبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن رجلًا نزل بئرًا فسقى كلبًا يلهث من شدة العطش، فشكر الله له فغفر له ولما سأله الصحابة عن الأجر فى سقى البهائم قال "فى كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ" رواه البخارى.
ولما كان للعقيدة الإسلامية تأثير واسع وعميق فى نفوس المؤمنين فقد كانت العمارة الإسلامية أروع وسيلة للتعبير عن القيم الإسلامية ونشر تعاليمه رغم أنها (أى العمارة) لم تكن أسلوباً مرسوماً من أساليب التربية الدينية، بل كان تصرفاً تلقائياً بناء على ظروف العصر ومتطلباته، ولقد مضى التنظيم العمرانى قدماً لخدمة المجتمع الإسلامى، لكى يحقق أهدافاً دينية ودنيوية ومن تلك الأغراض ما أطلق عليه المسلمون دور رعاية الحيوانات.
ويرى دكتور إبراهيم صبحى مدرس العمارة الإسلامية بكلية الآثار جامعة الفيوم أن هناك كثيرًا من الشواهد الأثرية التى تدل على اهتمام المسلمين بالحيوان، ففى العصر المملوكى نجد الكثير من المنشآت الوَقْفِيَّة التى خصصت لرعاية الحيوانات؛ فهناك منشآت معمارية كاملة خصصت للدواب، مثل حوض الدواب الذى شيده السلطان الناصر محمد بن قلاوون لتشرب منه الحيوانات وأوقفه على روح والده لكنه حول إلى سبيل لشرب الناس بعد أن تأذى طلاب مدرستى المنصور قلاوون والظاهر برقوق من رائحة الدواب.
ويضيف صبحى أن السلطان قايتباى أوقف هو الآخر حوضا فى صحراء المماليك؛ لتشرب الدواب أثناء سيرها من هذه الأماكن وتستريح من السير فى أماكن ظليلة بعيدة عن الشمس، وتعالج إذا كانت مصابة أو مريضة فى العيادة الملحقة بالحوض، أو إسطبلات لينام فيها الحيوان، وكانت الوقفية تنص على أن يحصل أرباب الوظائف من البيطاريين والمدربين والمسئولين عن إطعام الحيوانات ورعايتهم على رواتب من ريع أراضى زراعية موقوفة على ذلك. وكانت هناك مدارس خاصة لتدريب الخيول على الفروسية.
ولم يقتصر الاهتمام بالحيوانات ورعايتها على السلاطين والأمراء وحدهم بل تعدى الأمر إلى العامة وحتى الفقراء، حيث كانوا يضعون أمام بيوتهم ما يسمى (ميلغة الكلب) وهو عبارة عن حجر صغير مجوف يُمْلأ بالماء حتى تشرب منه الكلاب التى لا تستطيع الشرب من أحواض الدواب الكبيرة التى كانت مخصصة للخيول والحمير والبغال.
ويرى دكتور خالد عزب فى كتابه "كيف واجهت الحضارة الإسلامية مشكلة المياه؟" أن أحواض الدواب ظهرت فى العصر الفاطمى كما تؤكد الكثير من المصادر التاريخية، وانتشرت هذه الأحواض فى الطرق الرئيسة للمدن، كقصبة القاهرة مروراً ببابى الفتوح وزويلة، كما انتشرت فى الطريق المؤدية إلى القلعة وفى الأسواق وداخل البيوت وفى طريق القوافل والحج.
كما لم يقتصر وجود تلك الأحواض على القاهرة وحدها، حيث شيد المسلمون أحواض الدواب فى الشام والعراق وإيران وتركيا كما ظهرت فى بلاد المغرب العربى، وكانت تلك الأحواض تستمد ماءها عن طريق السواقى الموضوعة على الآبار، وكانت الساقية ترفع الماء إلى حامل فى مستوى علوى وتتفرع منه مجارى مائية، تنقل الماء إلى أحواض سقى الدواب.
المماليك أول من اهتموا بالحيوانات وأنشأوا لها سبيلا للشرب
الثلاثاء، 31 أغسطس 2010 11:53 م
سبل الشرب للحيوانات غابت عن مصر منذ زمن بعيد
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة