شريف حافظ

وحدانية جوهر التجربة الإنسانية

الخميس، 26 أغسطس 2010 08:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تتشابه التجربة الإنسانية فى كل مكان، فالإنسان يفرح ويحزن، لأسباب متشابهة فى جوهرها، وبالتعبيرات الجسدية نفسها، الإنسان بنى المدن هنا وهناك، الإنسان هدم المبانى هنا وهناك، حارب وسالم هنا وهناك، تزوج وأنجب هنا وهناك، يرقص ويغنى ويصيح من الألم، ويصنع فناً هنا وهناك، إن تجاربنا كلنا، بنى البشر، متشابهة، بل إن التاريخ متشابه إلى حدٍ بعيد، فالمشاكل التى تحياها الدول النامية، مرت بالدول المتقدمة قبل ذلك وحلتها وفقاً لرؤيتها، بعد فحصٍ ومحص، وعلى مراحل وليس على مرحلة واحدة. إن جوهر التجربة الإنسانية واحدة، فى كل مكان، مع اختلافات تنجم عن طبيعة الأجواء الخاصة وتفاصيل التجارب.

قد يبدو هذا الكلام، بديهى للغاية للكثيرين، إلا أن هناك منا من يقول بعكسه طيلة الوقت، وكأننا غير البقية من بنى البشر، ولذا كان التذكير من الأهمية بمكان، حتى لا نظهر للعالم وكأننا نتمتع بعنصرية جمة وأننا نرى أنفسنا أفضل من غيرنا وأننا لا مثيل لنا، بينما يشهد العالم أننا مازلنا نحبو، وأنه لا توجد حلول سحرية أو عصا موسى، لكى نصبح على غير ما نحن فيه من تراجع فى وقت قليل!!

فها نحن ننظر شرقاً وغرباً، نستقى من تجارب الآخرين، ممن يتقاربون معنا فى بعض الظروف، نأخذ من مكانٍ ما تجربة ومن مكان آخر تجربة أُخرى، لأنهم بشر، كان لديهم نفس جوهر مشاكلنا، وعالجوها فأثبتت التجربة النجاح. ونحن نأخذ ولكننا نملك العقول، التى تعمل "لتُمصر" التجارب، وتصنع تجربتنا الخاصة، التى سيأخذ وينهل منها الآخرين أيضاً، فى حال النجاح. ومن يُفرق بين بنى الإنسان وتجارب الإنسانية جمعاء، إنما يُقيم عُنصرية بين بنى الإنسان، الذين خلقوا جميعاً من لدن الله، الذى لم يفرق بينهم، فمن نكون حتى نفرق بين الناس، ونحن منهم؟

تقرأ الرواية أو تشاهد الفيلم، من أية دولة، يناقش مشكلة حياتية، فتشعر بأنك قرأت تلك الكلمات من قبل أو شاهدت ذاك المشهد قديماً، فى كتاب أو فيلم من إنتاج أدبائنا و ومخرجينا وممثلينا. تشعر أن تجارب معينة قريبة إليك، وأنك شاهدت مشهد مشابه، مع اختلاف ألوان البشرة والشعر، ربما، أو اختلاف الملبس أو أجواء المكان والزمان!! تشعر وكأنك تشاهد منظر سبق أن رأيته من قبل، بألوان مختلفة وبشخوص مختلفين، إلا أن هؤلاء وهؤلاء، ما هم إلا جميعاً مشتركين فى كونهم جميعاً بشر!!

لقد سبقنا الناس فى إقامة بعض المؤسسات المدنية، فتبعناهم فى التجربة، عندما أقاموا نقابات وإتحادات عُمال، على سبيل المثال، لصون حقوق العمال. لقد أقاموا نواد رياضية، فتبعناهم فى التجربة. سبقونا فى إقامة الدولة، فتبعناهم أيضاً فى الشكل الحديث، وبالطبع، لا يمكن أن يعود الزمن للماضي، كى نؤسس نحن دولة تنتمى فى طبيعتها، إلى القدم، بينما الحضارة الإنسانية كلها، أثبتت نجاح الدولة القومية الجديدة، لا يمكن العودة إلى الخلف أو اختلاق ظرفه، لأن التاريخ لا يُعيد نفسه، ولكن الدول تموت وتحيا، وتولد من عمق التجارب الإنسانية الناجحة، دولُ جديدة، بأشكال جديدة. وها هم سبقزنا إلى الديمقراطية ونحن نقترب منها مُقلدين لهم ولو إختلفت التفاصيل والأشكال النهائية!

إننا وبينما نريد بناء دولتنا، فى زيها ومضمونها الجديد، علينا بالاسترشاد بما حولنا من دول، ومن جميع التجارب، الصديقة والعدوة، المتعاونة والمتنافسة! علينا أن نستلهم من تجارب النجاح، ونتعلم من تجارب الفشل، لأن الإنسان وتجربته فى أصلها، واحدة! علينا قراءة كل الحضارة الحالية التى تُحيطنا اليوم، ورؤية أُسسها، حتى نمضى على إسرها، نصنع جديد حضارتنا نحن، مستمدين من تقاليدنا، بينما نُلقى ما تمسكنا به من تقاليد بالية أثبتت مع الزمن عدم جدواها، جانباً!

وقد تعلمنا أيضاً، من تجارب الآخرين، أن الاستمرار فيما نحن فيه اليوم، من فوضى وحالة من اللاتوازن السياسي، الاقتصادى والاجتماعى، إنما يمكنها أن تقودنا إلى الهاوية عن حق! هاوية أعلى هديراً مما مررنا به، ولكن متشابهة مع مرت به مجتمعات بشرية أخرى، لنرى إنهيار كامل فى لحظة تاريخية، هى الأصعب لنا جميعاً فى مصر، بكافة انتمائتنا السياسية والدينية!! علينا السمو فوق كل شئ، من أجل مصلحة الوطن اليوم، ووضع مصالحنا اشخصية جانباً، كما فعل الكثيرين قبلنا، فى مختلف المناطق والبلدان!

إننا نتعلم من الآخرين والآخرين يتعلمون منا، لأن الآخرين مروا بما نمر به ولأننا مررنا بما يمر به غيرنا. إن طبيعة التجربة البشرية فى الكون، هو تبادلها من أجل استمرار البقاء، لبنى الإنسان جميعهم، ولكى يعمر الإنسان الأرض، ويصنع فكراً وفناً وتكنولوجيا وتقدم، يتبادله مع غيره، فتزدهر الحياة أكثر ويستمر فيها هذا التبادل الإنساني، محاولاً البُعد عن الشرور "الإنسانية أيضاً" التى تُسقط البناء بأسرع من إقامته. إن الحياة على الأرض تثبت، وحدانية جوهر التجربة الإنسانية، بخيرها وشرها، وأن الإنسان متى إمتلك عقلاً حكيماً، تمكن من الاختيار، لتحديد مصيره ومصائر من حوله ومستقبل بلاده ومواطنيه!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة