د.عزازى على عزازى

عفيفى بعد أن تحول إلى فراشة

السبت، 03 يوليو 2010 07:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى فيلم «بنجامين» الذى قام ببطولته «برادبيت» تعتمد القصة على طفل صغير يولد شيخاً هرماً، لكنه كلما تقدمت السنين قل عمره حتى أصبح فى آخر حياته رضيعاً ما لبث أن تحول إلى فراشة تحلق حول غرفة ذكرياته، ربما تلخص هذه الحكاية رحلة عمر وتجربة الشاعر الكبير جداً عفيفى مطر، ففى سنين حياته الإبداعية الأولى كتب فى الخمسينيات: «أنا طفل وأعلم أننى طفل/ أسافر كوكباً فى الغيم مسجوناً، وأعلم أنى سأعيش أصغر شاعر وأموت مجهولاً ومغبوناً».

تلك كانت نبوءته عن ذاته فى أن يعيش طفلاً ويموت مجهولاً مغبونا، ولعلنا لاحظنا فى أبياته القصيرة قوله «أنا طفل» فلم يقل أننى كطفل، لم يستخدم أدوات التشبيه أو أفعال المقاربة، بل كان التريث يقيناً استقر فى قلبه ووعيه طوال سنين عمره، وفى ختام تجاربه الشعرية المركبة والعميقة، كان التتويج يتجه إلى الطفل وحوله، وإذا كان إبداع عفيفى مطر متهماً دائماً بالتعقيد والجفاف واستخدام الحوشى من الألفاظ، فإن القراءة الثانية لقصائده إذا اعتمدت على مفتاح الذهنية الطفلية الفلسفية التى تمتلئ بأسئلة الدهشة، ومدارات التكوين، سوف تكتشف لنا أن كل شفرات النص طوع اليد.. فقد انطلق عفيفى من طفولة الذات لطفولة الكون البسيط فى «رملة الأنجب» وجمع الاثنين معاً فى حقل شعرى فيه من أشواك الدغل بمقدار ما فيه من زهور و سنابل.

واستطاع عفيفى بنبل وشهامة الفلاح أن يبنى حداثته الشعرية دون قطيعة مع التراث العربى فى اللغة والإبداع وفقه الكلمات وتطورها الدلالي، لكنه - كإنسان - كان طفلاً معانداً حروناً شقيا غضوباً وصادقا، وقد نجح - غفر الله له - فى إقناعى بأنى من المقربين جداً إليه، وكان يخصَّنى بمسودات أعماله بخط يده، ليعرف رأيى قبل طباعتها، ثم فوجئت بأنه يفعل ذلك مع دائرة واسعة من محبيه.. وحينما اخترقت أذنى يوم الاثنين الماضى صرخة الشاعرة الكبيرة شيرين العدوي: عفيفى مات، بدا الأمر لى كأنه نكته سخيفة، فمثله لا يموت لأنه حينما يعود طفلاً - كما رأيته آخر مرة - يتحول - بالموت - إلى فراشة تطنِّ حول نوافذ الإبداع، توقظ الغفلى وتقاوم القبح والفساد فى الوطن وفى الثقافة، ولعل الموضوع المنشور لزميلنا خالد الشامى حول اللقاء الأخير مع عفيفى مطر بعد إعلان انسحابه من لجنة الشعر، يؤكد صدق صرخته فى برية الإبداع، و كنا - ساعتها - نقتسم معه ساندويشات الفول والطعمية ومعها الطرشى والسلطات التى أرادها، ورغم الاتصالات التليفونية التى تمت بيننا بعدها، إلا أنه أخلف وعده معنا بالمرور على «الكرامة»، فى الدقي، لأنه اختار الراحة فى غرفة العناية بمستشفى منوف، ثم الراحة الأبدية فى تراب رملة الأنجب، ربما قبل أن يتحول إلى فراشة تحلق حول محبيه فى دولة الشعر الحديث.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة