لن أتحدث عن حدث غريب، أو عن قصه جديدة، فالقصة كلنا نعرفها ونحفظها عن ظهر قلب، فقد وردت فى القرآن الكريم، وتناقلتها الألسنة منذ قديم الأزل، بل ولم تسلم أيضا من الإضافات والافتراءات التى ما أنزل الله بها من سلطان.. إننى أتحدث عن قصة آدم والجنة، أو كما اصطلحنا عليها (آدم والتفاحة)..
كما ذكرت القصة معروفة، لكن استوقفنى فيها مؤخرا أمران، لا أعرف هل لفتا انتباه الآخرين أم لا، لكنى وجدتنى أفكر فى هذين الأمرين كثيرا، وكأنها المرة الأولى التى أستمع فيها إلى هذه القصة.
الأمر الأول هو.. ترى ما الهدف الذى ذكرت من أجله هذه القصه فى القرآن؟، هل من أجل التحذير أم من أجل التقرير؟، بمعنى آخر هل الدرس المستفاد من وراء هذه القصه هو.. احذر يابن آدم فالشيطان يجرى منك مجرى الدم، ولسوف يزين فى عينيك كل ما ينقصك، وسيجعلك تشعر باستحالة الحياة بدون ما تفتقده؟!!.
أم نستفيد منها أنه هذا أنت يابن آدم، هكذا خلقت وهكذا ستظل حتى تنتهى أيامك من الدنيا.. لا تهنأ بما بين يديك، ولا تقنع بما هو لك، ولا ولن تكف تطلعا إلى ما حرمت منه؟!!.
الفرق بين التحذير الأول والتقرير الثانى كبير، ففى الحالة الأولى هناك فرصه لأن نعتبر، لكن فى الثانية فلا مفر من حدوث المقدور، ولأنى لا أعرف أيهما هو المفاد المقصود من القصة، ولأنه ربما لا يعرف أحد أيهما المعنى المراد، إذن فهناك دائما لدينا الاختيار، ولكنه لا شك سيكون اختيارا صعبا، فها هو أبوك الأول يابن آدم، كان ينعم بالطمأنينة والرزق والسكن والرفيقة وراحة البال، بل والأكثر من ذلك بكثير، كان ينعم بالجنة، وما أدرانا ما الجنة؟، ومع ذلك افتقد شجرة واحدة لمجرد أنها حرمت عليه، ولمجرد أنه منع من الوصول إليها.
لقد كان ذلك قدره، فلولا أن حدث ذلك ما عمرت الأرض، ولكن ماذا عنك أنت يابن آدم؟، هل ستختار الرضا والقناعة؟، أم ستختار أن يكون الجرى وراء الممنوع هو قدرك المحتوم؟.
أما الأمر الثانى الذى استوقفنى فى هذه القصة، أنها بحسب روايتها فى القرآن لم يرد ذكر السيدة حواء مطلقا لا من قريب ولا من بعيد كمحرض على هذه الفعلة أو كسبب لحدوثها، وعلى الرغم من ذلك فقد ألصقت هذه التهمة بحواء بشكل شاع لدرجة أنه أصبح هو الحقيقة عند البعض، خاصة لدى البسطاء الذين يكتفون بالاستماع إلى قصص القرآن وأحكامه من أفواه الآخرين.
أى افتراء هذا؟، وأى بهتان هذا؟، ومن أين جاءت هذه الإضافة أصلا؟، لا أعرف، وأكاد أجزم أنه لا أحد يعرف.
مسكينة أنت يا سيدة حواء، وكذلك بناتك من بعدك إلى يوم الدين، فحتى أنت لم تسلمى من أن تدانى فى كل تقصير يحدث، وأن تحاكمى على كل هفوة صغيرة كانت أم كبيرة.
لقد أصبح عندنا موروث ثقافى يكاد يصل إلى حد الاعتقاد الراسخ، ألا وهو أنه ما من مصيبة تحدث إلا وسببها المرأة، وما من آدم يخطئ إلا ومن ورائه حواء....لماذا؟ ...لا أعرف.
فبدلا من أن نقف بحياد ولو لمرة واحدة لنرى الأمور على حقيقتها، وهى أن حواء تخطئ كما أن آدم يخطئ، ولا يمكن أن تكون حواء متراجعة التفكير دائما لأن آدم سيكون فائق التفكير على طول الخط، كفانا تصديقا وتأمينا على هذه المسلمات المغلوطة، فقد ظلمت النساء ولا زالت تظلم وستظل تظلم وتتهم بالباطل كثيرا، لكن عزائى الوحيد هو أنه حتى المرأة الأولى فى العالم السيده حواء لم تنج بنفسها من هذه الفرية الأبدية.
الدكتورة هبه ياسين
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة