دخل مصطلح الـ"دبلجة" على مدار العامين الماضيين عصرا جديدا، بل وربما تحول إلى فن حديث، خاصة فيما بعد اجتياح ظاهرة المسلسلات التركية"المدبلجة" للكثير من الفضائيات العربية، وهى الظاهرة التى مازال يصعب تحديد الهدف من ورائها، حيث لا يمكن إدراجها تحت مسمى"الموضة" أو إدراج الهدف منها تحت ما تحمله المرحلة من عنوان عريض: (الحوار التركى- العربى)، فيما بعد التوجه الحكومى للتقارب مجددا مع العالم العربى.
من ثم فإنه يبدو أن الهدف الأقرب هنا هو السعى نحو مكاسب "التجارة الفنية" العابرة للقارات، بغض النظر عن مدى التأثير الثقافى (الفكرى والأخلاقى) من ورائها، وهو ما يحمل فى طياته بعض الجوانب السلبية إلى جانب الإيجابية منها، مما يمكن رصدها عبر ما قدمته حتى الآن للمشاهد العربى، خاصة مع توقع ارتفاع سقف المقدم منها على مدار السنوات القادمة، بل ومع توقع امتداد موجة "الدبلجة" إلى لغات وثقافات أخرى أقربها الهندية والصينية.
وربما يأتى على رأس ما يمكن تصنيفه كسلبيات المسلسل التركى هنا، هو تعارضه فى كثير من الأحيان مع الموروث الشعبى (الثقافى والأخلاقى) للمنطقة العربية، من خلال تعمد الإشارة إلى نمط حياة مغاير من خلال طريقة العيش والتفكير، والنظرة إليها من زوايا لم نعتد النظر إليها، وهى إحدى روافد الصراع الحضارى الحالى فى الداخل التركى بين ماض ملىء بالدين والعادات والتقاليد، وغد يتطلع فيه الكثيرون إلى التحرر المجتمعى على النمط الأوروبى، وهو ما نقلته مسلسلاتها مثل مسلسلى (ميرنا وخليل) و( دموع الورد)، حيث عبر الأول عن صراع أساسه الأخلاق، بينما راعى الثانى تقديم تركيا على الطريقة الغربية، حيث شرعية حمل فتاة من رجل لم تتزوجه، ناهيك عن مسلسل (سنوات الضياع)، والذى قدم الصراع بوجهيه فى قالب واحد.
ورغم ذلك فإن اللافت للنظر هنا هو مدى ما نجحت فى تحقيقه هاتيك المسلسلات مثل (نور) و(الضياع) من أرقام قياسية فى أعداد المشاهدين وخاصة بين الشباب العربى، حيث معايشته لذات الصراع الدينى والأخلاقى، وتطلعه لتحقيق ذات الحلم بالعبور إلى البر الغربى، وهو ما دللت عليه مؤخرا موجات الهجرة غير الشرعية المتتالية للشباب العربى.
خلاصة القول أنه يجب الانتباه إلى ما باتت تقدمه الشاشات التليفزيونية العربية (بوجه عام)، فمهما كان تأثير تلك المسلسلات ضئيلا، إلا أنه لابد من البحث فى وجود رقابة عليها لاحقا، حتى لا تتحول بفعل استمرار صراع (الأيديولوجيات) المجتمعى إلى ما يشبه المرجعية أو قاعدة أخلاقية لنا، كذا ضرورة تغيير آليات الدراما العربية ونظرتها للمجتمع وأنماط مشاهديها، ذلك من خلال البدء فى إدخال التغيير على القصة والسيناريو. أيضا ضرورة التنوع الدرامى والثقافى من جانب الفضائيات العربية ومحاولة تسليط الضوء والانفتاح على عوالم مختلفة، ليس فقط التركيز على نوعية بعينها طمعا فى المردود المادى من مواصلة تقديمها، بما يضر المنظومة الثقافية العربية ككل.
محمد عبد القادر يكتب:الدراما التركية.. وفن"الدبلجة"الحديث
السبت، 22 مايو 2010 02:33 م