قد قصوا لى حكاية الراعى الذى استصرخ القوم وحدث وكذب بأن الذئب قد أكل شاته كى لا أكذب.. لكنى ما زلت أكذب.. ما زالت صورة الراعى بمخيلتى، لكنها اختلفت بعد أن ابتاعت الدنيا حلوى الأيام لكل أطفال الحى ونستنى، كانت صورته صورة غنى فى بحبوحة من العيش لا يشكو شيئاً ولديه كل شىء، ولم يجد ما يسليه سوى العبث مع القوم والسخربة منهم، كنت أراه وهو ويضحك ويرتمى على رمال البيداء الباردة على نور القمر بعد أن عاد القوم متبرمين بكذبة الراعى وخبله وخبثه، لكن الصورة تبدلت لدى وأرى الراعى شيخاً عبوساً قليل الكلام يموء لى بنظرة كى أفهم.. لماذا كان يكذب.. لكنه لم يقل..
وكلما تراءت لى نظرته سمعت خطوات القوم وهى تبتعد عنه.. وكأنه لم يكن عابثاً.. كأنه كان يبحث عن قوم يأنس بهم بدلاً من وحشة كهفه الذى لا يحوى سوى القطيع.. كأنه ود أن يسامر صديقاً ليس فى عينيه قلق ولا فى نبرته استعجال ولا يضع هاتفه أمامه منتظرا أى نداء يمنحه عذراً كى ينصرف.. كأنه لم يجد له عشيرة لها كبير يأمر وينهى ويمنع ويمنح ويبارك الزوجات لأزواجهن ويذبح من الأغنام لأصحاب المسألة وعابرى السبيل وضيوف الليل، كأنه كان بلا زوج ولا أولاد ويبحث عن صبية يناجيها وتناجيه دون أن تستبعد منه العيوب وتستعتب عليه قلة الحيلة وتضرب له الأمثال.. أرى نظرته البسيطة الهادئة.. وأراه قد ابتسم قليلاً.. ربما لأننى قلت له: لست وحدك.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة