بمجرد أن تطأ قدماك مطار بكين الدولى، أو بيجين كما يسميها أهلها عاصمة المارد الاقتصادى الجديد جمهورية الصين، ينتابك شعور بالانبهار، ممزوج بالحزن والأسى على ما وصل إليه حال مصرنا من تخلف فى كل شىء.
ورغم الإجراءات الأمنية المشددة فى المطار، والتدقيق فى كل شىء ، ورغم الحصار الإعلامى المشدد أيضا المفروض على الشعب الصينى من حكومته، فغير مسموح لأحد بتركيب أطباق الدش مثلا، حتى أن شبكة الانترنت تقريبا مشفرة بصورة تكاد تكون كاملة.
رغم كل ذلك، فإنك ترى بأم عينك ملامح الرضا عن كل شىء، فى وجوه الصينيين، كما أن النظام الواضح فى كل المواقع، سواء المطارات أو الشوارع، أو إشارات المرور، ينسيك أى حديث عن أى سلبيات للنظام السياسى الشيوعى- ورغم رفض الكثيرين له- فإنه الذى استطاع أن يحول الصين، هذا البلد الذى كان منذ سنوات قليلة بلدا فقيرا، إلى مارد يهدد عرش أكبر الدول، كما استطاع أن ينقل قطاعات الصناعة به من مرحلة التقليد التى اشتهرت بها الصين إلى مرحلة الإنتاج الأول الكامل، والأكثر تطورا فى العالم.
إلا أن هناك ثلاثة مشاهد أثارت انتباهى أثناء زيارتى لبكين لتغطية أحد المؤتمرات الطبية الكبرى، أولها ما رأيته عندما زرنا إحدى المقاطعات على أطراف العاصمة الصينية، حيث رأيت مكانا متواضعا جدا يمكن أن نطلق عليه بلغتنا العربية «عشة» لإنتاج التحف النحاسية، تبدأ هذه الصناعة فى حجرة متواضعة لصب قوالب النحاس بالشكل المطلوب، مثل «الفازات والأباريق» ثم استخدام استامبات لنقش الرسومات يدويا على قالب النحاس.
ثم يأتى دور التلوين بالألوان الطبيعية، التى يتم إحضارها من جبال الصين فى صورة أحجار، ثم طحنها واستخدامها، ثم وضع هذه التحف فى حوض مياه لتثبيت الألوان، وبعد ذلك توضع فى فرن عالى الحرارة لتثبيت الألوان أكثر، ثم يأتى دور التنعيم الذى يستخدم فيه أنواع معينة من الأحجار، لإظهار التحف بصورة أكثر لمعانا.
ثم يتم وضعها مرة أخرى فى أحواض مياه لغسلها، ويتم عرضها فى الصورة النهائية لتجد أمامك أرقى أنواع التحف الفنية، والتى يتراوح ثمنها بين 100 يوان صينى و800 ألف يوان (اليوان يعادل 85 قرشا). المشهد الثانى، وهو زيارة «بيت الشاى الصينى»، وهو عبارة عن مبنى ضخم لتعريف زوار الصين بأربعة أنواع من الشاى المحلى الطبيعى، التى أصدرت الحكومة قرارا بمنع تصديرها للخارج، وحصر بيعها محليا فقط لجذب السائحين إلى البلاد.
وكلها أنواع تستخدم إلى جانب حلاوة طعمها فى أغراض طبية، لعلاج الكثير من الأمراض الباطنية، والصداع، والسمنة، وغيرها من الأمراض، ولا أريد أن أخوض فى أنواع هذا الشاى وكيف يستخدم، ولكن ما لفت انتباهى هو حرص الحكومة الصينية على بقاء هذه الأنواع صينية خالصة، ومنع تصديرها إلى الخارج، حتى إنها خصصت لكل مجموعة زوار لبيت الشاى، فتاة تشرح لهم كيفية استخدام هذا الشاى، وأنواعه، وفوائده، وأين يتم إنتاجه.
وغير ذلك فى وقت لا نجد أى اهتمام من حكومتنا بأى شىء خاص، حتى إن أحد أعضاء مجلس الشعب، طالب بوضع قانون لتجارة الآثار المصرية.