تجدها فى طريقك إلى مصر الجديدة بعد جامعة عين شمس بمساحة قليلة، مبنى ضخم ذو أبواب شاهقة ولافتة كبيرة مكتوب عليها هيئة الأرصاد الجوية، لا تقلق من التواجد الأمنى الذى تلحظه فى المكان، لأنها ببساطة تقع بجانب وزارة الدفاع المدنى.
ربما تكون ممن تجذبهم بشدة مشاهدة نشرات الأخبار الجوية، هذه النشرة التى لا تحتل سوى 10 دقائق، تعرض بها درجات الحرارة واتجاهات الرياح وسقوط الأمطار والشبورة، ونسترشد من خلالها "هنلبس إيه؟"، ويعتمد عليها السائقون براً وقائدو الطائرات جواً، وخصوصا بعدما تردد اسمها مؤخراً بعد كارثة "السيول" التى ضربت العريش فى مصر والتى توقعها الخبراء قبلها بعدة أيام، لكن لم يأبه بها المسئولون، ولا يقوم أى مشروع دون اللجوء إليها، ولا تصعد أو تهبط طائرة إلا بعد سماعها.
قادنى موظف الأمن إلى حيث يقع مبنى الرصد الجوى، الذى يطلقون عليه "مبنى الهيئة"، حيث قابلت فاطمة محمود يوسف مدير عام مركز المعلومات بالهيئة العامة للأرصاد الجوية، والتى بدأت حديثها قائلة "حققت مصر طفرة هائلة فى مجال الرصد الجوى بعد توقيعها على البروتوكول مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، حيث نصدر يومياً تقارير بدرجات الحرارة واتجاهات الرياح والشبورة والعواصف والأمطار والسيول، ونستطيع أن نصدر التوقعات لمدة أسبوع على الأقل، تعتمد علينا الطائرات المدنية ومراكب الصيد ويلجأ إلينا أصحاب المشروعات الزراعية والصناعية والسياحية لاستخراج تقارير عن الظروف الجوية فى مناطقهم".
بدأ نشاط الأرصاد الجوية فى مصر لأول مرة فى شهر مايو 1829 فى عهد محمد على عندما بدأ "ديوان المدارس" ببولاق قياس وتدوين درجات حرارة الهواء خمس مرات يومياً فى مواقيت الصلاة، لتنتقل بعدها إلى "المرصد خانة" الذى أنشأه إسماعيل الفلكى (باشا) بالعباسية فى أيام الخديوى إسماعيل، وبعد انتشار محطات الرصد الجوى على مستوى محافظات مصر، تشكلت إدارة الأرصاد الجوية عام 1900 لتشرف عليها جميعاً، تابعة لوزارة المعارف ثم انتقلت إلى وزارة البحث العلمى، لتتحول بعدها إلى مصلحة الأرصاد الجوية المصرية فى عام 1947، تتكون من ثلاث مراكز متخصصة للتنبوءات، وهى المركز الرئيسى بمبنى الهيئة بالقاهرة ومطار القاهرة الدولى ومطار ألماظة.
يضم مبنى الهيئة العديد من المراكز البحثية منها تغير المناخ وتلوث الهواء والطبقات العليا والدنيا من طبقة الغلاف الجوى، ويعد الدور الأخير بمثابة غرفة العمليات التى تنقل إلينا النشرات الجوية، والذى بدأت من خلاله جولتى فى عالم الطقس.
اصطحبنى ناصر عبد العال – أحد راصدى الطقس والذى يعمل فى الهيئة منذ عامين - إلى المساحة المكشوفة فى أعلى المبنى، ثم أشار إلى صندوقين خشبيين يقع كل منهم على بعد حوالى مترين من الآخر وعلى ارتفاع حوالى متر ونصف من الأرض، وقال "هنا تبدأ عملية الرصد"، ثم فتح الصندوق الأول، لتجد ترمومترين بشكل عمودى وبجانبهم قارورة مياه موصلة بأحدهما بقطعة من القماش، وفى أعلاهما ترمومتران آخران بشكل عرضى، وقتها لاحظ ناصر علامات التعجب على وجهى.
فبدأ يشرح، قائلا: "الترمومتر الأيسر "الجاف" نسجل من خلاله درجة الحرارة، أما الأيمن فمن خلال قطعة القماش المبللة الموصولة به تقيس درجة الرطوبة والتى نتعرف عليها إذا ارتفع مؤشر الترمومتر أكثر من 70 درجة، وهى عملية نقوم بها كل ساعة على مدار اليوم، أما الترمومتران العلويان فهما اللذان نسجل منهما درجات الحرارة الصغرى والكبرى الساعة 11 ونصف ظهراً، وهو توقيت عالمى تلتزم به كل الدول المشتركة فى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وهى ترمومترات مخصصة للحرارة تصل إلى 50 درجة فقط والتى لا تزيد درجة الحرارة المصرية عنها".
تتكون جوانب أكشاك الأرصاد الخشبية من فتحات متجهة إلى الأسفل، الأمر الذى يفسره ناصر، قائلا: "الفتحات إلى الأسفل حتى لا تدخل مياه الأمطار، وخشبية حتى لا تتأثر بدرجات الحرارة".
وعلى الجانب الآخر، كشك آخر أوضح ناصر أنه يقوم بنفس العملية، لكن على خريطة ورقية، حيث يرتبط الترمومتر بقلم يرتفع وينخفض مع معدلات الزئبق بالترمومتر، نسجلها أيضاً كل ساعة، والتى من المفترض أن تتطابق مع درجات الكشك الآخر، وتتغير الخريطة كل يوم، والتى توضح لنا مسار الحرارة على مدار اليوم.
أشار ناصر إلى مبنى آخر يقع أعلاه جهاز آخر فيما يشبه المروحة، وقال "هو الجهاز الإلكترونى الذى يسجل حركة الرياح".
سألته: وكيف ترصدون حركة السحب؟ فرد "من خلال العين المجردة نستطيع أن نعرف نوع السحب واتجاهها وسرعتها أيضاً".
بعد عودتنا إلى داخل المبنى مرة أخرى، حيث تدور المرحلة الثانية بعد تسجيل درجة الحرارة، يقول عنها ناصر "كل 3 ساعات، تبلغنا محطات الرصد من جميع المحافظات ومن مختلف أنحاء العالم بدرجات الحرارة، حيث نبدأ فى تسجيلها على الخرائط، والتى يأخذها بعد ذلك المحلل الجوى".
تركت ناصر بعدما علمت أنه خريج بكالوريوس تجارة، وقد جاء ليعمل فى الهيئة منذ عامين، بعد حصوله على دبلومة فى الهيئة والتى لجأ إليها بعدما لم يجد عملاً آخر، لكنه أكد على سعادته داخل الهيئة واستمتاعه بمهنته الجديدة.
انتقلت بعدها إلى رجب عبد الرحمن محلل جوى، والذى يعمل فى الهيئة منذ 12 عاماً، جالساً أمام 3 شاشات حاسب آلى، وعلى جانبه خرائط العالم الذى سبق ورأيتها مع ناصر، استقبلنى قائلاً "أقوم بآخر خطوات الرصد والتى يعتمد عليها قائدو الطائرات والنشرات الجوية" وعرض على الخريطة بعد تحليلها فوجدت العديد من الخطوط والموز والرسومات والتى بدأ يفسرها رجب، قائلا "من خلال توصيل درجات الحرارة مع بعضها تظهر لنا مناطق المنخفضات الجوية المرتفعة والمنخفضة والتى يدخل فى نطاقها أكثر من دولة، كما نستطيع أن نعرف أماكن سقوط الأمطار، والرياح والعواصف، وبتتابع الخرائط كل 3 ساعات نستطيع أن نعرف اتجاه المنخفضات والسحب والرياح".
أكد رجب أن الإشارات والرموز والخرائط لا يطلع عليها أحد وهى معلومات سرية، والتى تستغل فى الحروب.
أما بالنسبة لشاشات الحاسب الآلى التى يجلس أمامها شرح قائلا "تطورت طريقة رصد الطقس إلى الطريقة الإلكترونية، من خلال النماذج التى اعتمدتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، والتى نأخذ ترخيصاً لاستخدامها، والنموذج يقوم تقريبا بكل ما يقوم به المحلل على الخريطة، لكننا لا نستطيع أن نتوقف عن الطريقة الورقية حتى لا نتأثر إذا حدث أى عطل فى هذه الأجهزة، أيضاً نعتمد على أكثر من نموذج حتى نصل إلى درجة دقة كبيرة" وبمجرد أن أعطى رجب الأمر بالموافقة فى الشاشة الأولى على النموذج الأوروبى أريج 1500 بدأت تظهر معالم خريطة الطقس فى العالم كما كانت فى الخريطة.
وعلى الشاشة الثانية عرض رجب النموذج المصرى، وقال "صمم خبراء الأرصاد المصرية أيضاً نموذجاًَ خاصاً بمنطقتنا، لكنه غير معتمد عالمياً، ونعتمد عليه لكن بشكل غير أساسى رغم أنه أحياناً يقدم لنا نتائج أكثر دقة من النماذج الأخرى، لأنه مسجل عليه ظواهر قد لا تكون مسجلة فى النماذج الأخرى" وهنا سألته "ولماذا رغم ذلك غير مسجل؟"، رد قائلا "إحنا معندناش ثقة فى المنتج المصرى، رغم أن فى المغرب مثلاً لا يعتمدون إلا على النموذج المغربى"!
وأضاف رجب "فى الشاشة الثالثة نتعرف على طبقات الجو العليا من خلال الصور التى يلتقطها القمر الصناعى، والتى نرصد من خلالها السحب بأشكالها المختلفة"، والتى تظهر كالبقع الحمراء فى الشاشة، فقال رجب "هى السحب الركامية، وهى أخطر أنواع السحب التى نحذر منها الطيارين، حيث إنها سحب لم تجد نواة لتتراكم عليها، فإذا دخلت الطائرة فى مجالها، تكون قد وجدت ملجأها، مما يسبب فى توقف المحركات وسقوط الطائرة أو انفجارها".
يأتى رجب إلى الهيئة الخامسة صباحا، حيث يبدأ فى تحليل الخريطة، ليتم إرسال بياناتها إلى المطارات وعند الساعة السادسة صباحاً تجدها فى النشرات الإخبارية المختلفة، لتشاهدها فى منزلك أو تسمعها فى سيارتك أو تقرأها فى جريدتك فى مدة لا تزيد عن 10 دقائق.
اليوم السابع فى هيئة الأرصاد الجوية..
كيف تصل إلينا نشرة الأحوال الجوية يومياً؟
الخميس، 08 أبريل 2010 09:12 م
الارصاد الجوية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة