يفرز كل جيل صحفى مواهبه، غير أن الموهبة الأبقى هى التى تستطيع أن تترك أثرها فى الآخرين، وتكتسب هذه الموهبة تألقها حين تستطيع أن تواصل عطاءها دون كلل وبوعى متراكم، وعادل حمودة هو نموذج لذلك.
عادل حمودة هو ابن موهبته الصحفية، وأجمل ما فيه أنه جمع بين محاسن متعددة فى إدارة هذه الموهبة، استطاع أن يدفع بمشروعه الصحفى الخاص فى قلب المهنة، فأكسبها تطوراً، كما أنه لم يكتفِ بدور الكاتب الذى يملك براعة كبيرة فى سرد ما يريد أن يقوله، وإنما أصبح واحدا من كبار صناعها، والصناعة هنا لا تعنى كتاباً جميلاً، أو تحقيقاً صحفياً لامعاً، أو حواراً مدهشاً، أو خبرا يكشف أو يمهد لحدث ما، صناعة الصحافة عند عادل حمودة تعنى بناء صروح، ليس بمعنى تشييد قلاع خرسانية، وفى قلبها أحدث المعدات التكنولوجية، فكم من صحيفة تصدر من مبانٍ شاهقة بخدمات رفيعة، لكنها لا تعطى قيمة مضافة، ولا تشبع معرفة منشودة، عادل حمودة يصنع الصروح الصحفية بالتقاط المواهب وخلطها فى عجينة، ويقدم منها لقارئ صحيفته وجبة شهية، وهو بهذا النهج يعمل وفقا لقاعدة سمعتها منه يوما وهى: «بناء البشر أهم من بناء الجدران»، وهى قاعدة دفعت الصحافة المصرية، بل معظم القطاعات المصرية ثمناً لعدم اتباعها.
لم يغلق عادل حمودة موهبته على نفسه، وإنما اختار الطريق الذى يزرع فيه المواهب التى تستنشق من حديقته عطراً طيباً نافذاً، ومن هذا الطريق أصبح أستاذا لمدرسة صحفية تعتمد على رشاقة الكلمة وجاذبيتها، وتعتمد على المعلومة التى تعد تاجا رئيسيا لأى وهج صحفى، مدرسة تعتمد على الكتابة بلغة التصوير السينمائى الذى يتألق بسيناريو شاعرى، وفور أن تنتهى من تعاطيها، تشعر أنك كنت فى حلم جميل، حتى لو كانت القضية التى يتم الحديث بشأنها ليست جميلة.
فى سيرة عادل حمودة الكثير مما يقال، فهو ابن حلم ستينيات القرن الماضى، حين كان الحلم متاحا للجميع، وفيه درس عادل فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، يوم أن كان الالتحاق بها بابا لأمل الفقراء والأغنياء على حد سواء بأن يكونوا سفراء ووزراء، يشاركون فى بناء الوطن، وحين تخرج عادل فيها، كان حلمه يتشكل فى واد آخر، وادٍ لا يقوم على جاه المنصب ومفاتنه، وإنما يقوم على يقين بأن الكلمة ميدان له رجاله، وأن الجرى وراء الحقيقة لتقديمها إلى الناس مسؤولية لا يستطيع أن يتحملها إلا قلة تؤمن بأنها كالجندى فى ميدان القتال، يحمل روحه بين كفيه.
ومن تجربة إلى أخرى أثبت عادل قدرة فائقة فى تقديم وجبة صحفية شهية وهذا ما ينتظره الكل فى «الفجر اليومى».