مر الاحتفال باليوم العالمى للكتاب فى الثالث والعشرين من أبريل على المصريين مرور الكرام، لم يشعر به أحد، ولم يكترث به الإعلام، ولم تخصص له عشرات البرامج التليفزيونية والإذاعية دقائق معدودة مثل الفن والرياضة.
والسؤال لماذا؟ وهل تراجعت الثقافة فى مصر؟ وأين هو الكتاب؟ وهل له دور؟ كلها أسئلة تبدو منطقية عند سبر أغوار عالم الثقافة فى مصر اليوم، فالثقافة فى هذا البلد صرعتها أنواء وأثقال الأعباء والمشاكل اليومية التى تضخمت يوما بعد آخر، وضاعفت من أعباء المواطنين وهمومهم، حتى أن أحدا لا يمكنه بحال البحث عن مشكلة الكتاب أو دور الثقافة فى المجتمع أو حتى تذكر يوم الكتاب العالمى، فى ظل أزمات متعاقبة مثل أزمة ارتفاع أسعار اللحوم وقبلها الأنابيب وفى كل الأوقات والساعات أزمات الأمراض وسوء التعليم، والمياه، والمرافق، والقمامة.
هكذا لم تعد مصر كما كانت فى سنوات الخمسينيات والستينيات شعلة وضاءة للثقافة العربية كلها، وبمرور الوقت، وتعاقب الحكومات الفاشلة، خبت الشعلة، وضحلت الثقافة، وانكمش المثقفون بشكل كبير، وأصبحت الآن الأعمال الجادة نادرة والكتب القيمة قليلة والحكومات المتعاقبة لا يعنيها الأمر فى شىء، لأن البيزنس والتجارة والسرقة والنهب هو الأهم، وهو أمر لا يجتمع بحال مع الاهتمام بالثقافة.
ما لا يعرفه البعض أن مصر هى أم الإبداع والفكر حتى قبل التاريخ، يذكر بذلك تمثال الكاتب المصرى القديم فى المتحف المصرى وهو ممسك باللوح الحجرى يخط عليه عباراته باللغة الهيروغلوفيه القديمة، وهو أكثر الرموز الفكرية لحضارة المصريين التى أبدعت فى فنون الكتابة والسرد.
إن نظرة واحدة على جدران المعابد وسجلات أوراق البردى المحفوظة فى المتاحف المصرية، تظهر كيف كانت ثقافة المصريين فى العهود الغابرة وكيف وصلت الآن.
وبعد كل هذه العقود والقرون يمر اليوم العالمى للكتاب على مصر، وصوت الكتاب هو أخفض الأصوات وأقلها وضوحا فيها، فى مقابل أصوات تتعالى مطالبة بالتغير الشامل حتى تستعيد مصر مكانتها الإبداعية الخلاقة فى كل الاتجاهات وعلى مختلف الأصعدة.
أليس غياب الثقافة هو المسئول عن هذا التدنى الفكرى الواضح بين السياسيين، والذى يدفع بنائب فى مجلس الشعب المصرى للمطالبة بإطلاق النار على متظاهرين سلميين يطالبون بتحسين الأوضاع، أليس غياب الكتاب هو المسئول عن الفراغ فى عقول المسئوليين لتصبح التجارة والتربح هى هدفهم.
هل يمكن أن يحدثنا أحد من أعضاء مجلس الشعب أو الوزراء أو أى مسئول مثلا عن آخر كتاب قرأه بمناسبة اليوم العالمى للكتاب، أن الفكرة تبد مثيرة لأحد برامج التليفزيون!
فى أوروبا كان الاحتفال باليوم العالمى للكتاب له طابع آخر، فأوروبا تعرف أهمية القراءة والدور الذى الذى يؤديه الكتاب فى نشر المعرفة، إذ أن المعرفة والاطلاع وثقافة الشعوب ترفع بأشكال متعددة من مقدرة الأمة ونهضتها، وانتكاسة المعرفة والثقافة والانكفاء على الذات وعدم إثراء العقل بالإبداع يصل بالإنسان إلى الجهل والأفقار والهلاك، لهذا ظل الكتاب على مدى التاريخ أحد أهم القوى المعرفية التى تساعد على نشر المعرفة والتراث الفكرى والحضارى وأحد أقوى وسائل حمايتها على مر الزمان.
ففى ألمانيا على سبيل المثال يتم الاحتفال بهذا اليوم كأى احتفال هام آخر، ففيه يقوم على سبيل المثال رئيس وزراء كل ولاية ألمانية، بزيارة المدارس والتحدث مع الصغار عن أهمية القراءة بل وقراءة بعض المقتطفات من قصص الصغار لحثهم على القراءة وإبراز أهمية القراءة عند المسئولين السياسيين، إضافة إلى أن مطابع مؤسسات الدولة والهيئات تتضامن معا فى هذا اليوم لطبع أعداد خاصة من المطبوعات وتوزيعها على الناس، أما دور النشر فتهتم بطبع أعداد من الكتب للمؤلفين الموهوبين، لتشجيعهم وتعريف الناس بهم، أما نوادى محبى القراءة التى تنتشر فى ألمانيا فيجتمع فيها الأعضاء ويقرأون بشكل جماعى، وفى احتفال هذا العام قام الأعضاء بفتح بيوتهم فى تقليد جديد ومن ثم استضافة الضيوف والأصدقاء والفضوليين الراغبين فى الاطلاع على مكتباتهم ورؤية الجديد من الكتب، بل وأكثر من ذلك السماح لهم باقتراض الكتب أو القراءة لبعض الوقت فى المنزل.
* إعلامى مصرى مقيم فى ألمانيا
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة