من يزور مدينة "تورينو" فى شمال إيطاليا يعثر فى قلبها التاريخى على حى متميز، اسمه "بورتا بالاتسو"، يكاد يكون حيا عربيا خالصا لكثرة المهاجرين العرب الذين يسكنون أو يعملون أو يتجمعون فيه، الوجوه فى شوارع "بورتا بالاتسو" وجوه عربية، واللغة التى تتردد فى جنباته غالبا ما تكون اللغة العربية، واللافتات التى تشغل مساحة كبيرة من فضائه يزينها الخط العربى.
ربما لا يختلف "بورتا بالاتسو" من تلك الناحية عن أحياء المهاجرين الموجودة فى العديد من المدن الأوروبية الأخرى، إلا أنه يتميز عليها بأنه يضم أكبر سوق مفتوحة فى أوروبا تضم أكثر من ألف كشك للبضائع المختلفة وتستقبل مائة ألف زائر كل أسبوع.
تعد هذه السوق واسمها "البالون"، مكانا رمزيا لتلاقى الثقافات حيث يعمل هناك، جنبا إلى جنب، الإيطاليون والمهاجرون الذين يأتى معظمهم من البلاد العربية، أما الزبائن فهم إيطاليون ومهاجرون، وحتى البضائع المبيعة فى الأكشاك تعكس امتزاج الثقافات فى مشهد ملون وفوضوى، فنجد جنب الجبن الإيطالى التقليدى الشاى المغربى بالنعناع، وخلف كشك الأسبتة التقليدية يطل كشك السجاد الشرقى.
ولكن كيف أصبح "البالون" ساحة تلاق بين الشرق والغرب؟ التاريخ طويل... ورث "بورتا بالاتسو" اسمه من اسم باب رومانى قديم كان ينفتح على طريق تجارى يؤدى إلى مدينة "ميلانو"، فنشأ حوله عبر القرون مركز سكنى نقل إليه سوق المدينة القديمة عام ١٨٣٥ عقب انتشار وباء الكوليرا، ثم كسب "بورتا بالاتسو" منذ ذلك الوقت هويته القوية ذات الطابع الشعبى عاكسا، مع سوقه، التغيرات الاجتماعية فى المدينة وفى البلد كله. وليس أدل على ذلك من اسم السوق نفسه الذى يعنى "الكرة"، ويرجع إلى لعبة الكرة التى كانت منتشرة بين الفلاحين، وبعد ذلك بين عمال المصانع فى "بورتا بالاتسو" الذين كانوا يلعبون هناك.
فكما استقبل "بورتا بالاتسو" فى الستينات المهاجرين من جنوب إيطاليا يستقبل اليوم المهاجرين العرب والأجانب، وقد أدركت بلدية "تورينو" أهمية المكان الاجتماعية، فقررت ضخ استثمارات كبيرة لحمايته وتجديده، وبفضل هذا الاهتمام أصبح "بورتا بالاتسو" مركزا لتعايش الثقافات، فاختير مقرا لكثير من المؤسسات والجمعيات المعنية بمشاكل المهاجرين وقضايا الحوار بين الثقافات.
وأصبح "البالون" مكانا يجد فيه المهاجرون والفقراء الإيطاليون بعض الخدمات المهمة كالخدمات الصحية، ومكاتب البريد والتليفون، والتعليمات المفيدة للإقامة فى إيطاليا وأى شكل آخر من المساعدة، وعاد "البالون" ليكون مكانا للمناقشات العامة والاستعراض كما كان فى الماضي.
روح "بورتا بالاتسو" تتجسد بالكامل فى ركن خاص من "البالون"، حيث يتعلم المهاجرون اللغة الإيطالية ويتعلم الإيطاليون لغات جيرانهم المهاجرين فى تبادل ودى، هكذا تقدم تجربة "البالون" صورة مختلفة لعلاقات الإيطاليين مع المهاجرين بعيدا عن الصورة المعادية التى تنقلها وسائل الإعلام.
مدينة "تورينو" الايطالية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة