لم يجد الدكتور محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق دليلا على أن التخصيص هو النظام الأساسى المعمول به فى وزارة الإسكان سوى الأوراق التى قدمها إلى نيابة الأموال العامة العليا، يثبت من خلالها قيام المهندس حسب الله الكفراوى أثناء توليه الوزارة، وفى الفترة بين 1991 وحتى 1993 بتخصيص 79 فيلا لمجموعة بن لادن فى جزيرة بقرية مارينا السياحية، تصل مساحتها 100 ألف متر، وتخصيص 80 ألف متر أخرى على البحر مباشرة بطول نصف كيلو متر، وأوراق أخرى عن تخصيص 6 فيلات على مساحة 10 آلاف متر، لأمراء عرب ورجال أعمال مصريين.
تقديم هذه الأوراق أشعل معركة بين الوزيرين السابقين، ونفى الكفراوى لـ«اليوم السابع» كل ما ذكره سليمان قائلا إنه لم يخصص أى أرضٍ لمجموعة بن لادن، أو لأى رجال أعمال مصريين بمارينا، وإن ما قام به فقط هو بيع وحدات سكنية متمثلة فى فيلات وشاليهات إلى مجموعة بن لادن عبر بنك الإسكان والتعمير دون تخصيص أى أرض لهم، مضيفا أن تلك الفيلات والشاليهات لم تتسلمها مجموعة بن لادن إلا بعد أربع سنوات من تركه الوزارة، أى فى عهد إبراهيم سليمان.
وأوضح الكفراوى، أن كل ما ذكره سليمان «كذب فى كذب» لأنه يريد أن يظهر للرأى العام أنه ليس وحده الذى خصص الأراضى لرجال الأعمال فى رسالة مفادها «أنا مش لوحدى.. ولو عايزين تحاسبونى.. حاسبوا الكفراوى الأول»، وأكد الكفراوى أنه جاهز للحساب، ولم يخصص أى أراضٍ بمارينا إلا للحكام العرب، وهم الشيخ زايد وأولاده، والملك فهد وأولاده، تنفيذا لتعليمات من الرئيس محمد حسنى مبارك، من أجل جذبهم لمصر وتنمية منطقة الساحل الشمالى، التى لم يكن فيها سوى طريق ذى اتجاه واحد، أسسه الإنجليز منذ عشرات السنين.
هدد الكفراوى بفتح ملفات قديمة بوزارة الإسكان تدين سليمان وتسىء من موقفه القانونى فى القضية رقم 408 لسنة 2009 حصر تحقيق أموال عامة، والتى نسبت الرقابة الإدارية إليه فيها تهمتى إهدار المال العام والتربح من وراء وظيفته، وذلك فى حال عدم تقديم سليمان اعتذارا رسميا للكفراوى ونشره بالصحف، وأشار الكفراوى إلى أنه اتبع أسلوباً واحداً فى عمليات التخصيص بالمدن الجديدة، وباشتراطات محددة، ليس به «أى لف أو دوران»، ولم يجامل رجال أعمال لمصالح شخصية ويمنحهم منفعة بغير حق، فضلاً عن أن المشاريع غير المحددة جدواها الاقتصادية، يتم إعطاء الأرض إيجارا للمستثمر بحق الانتفاع لمدة 25 سنة، وتظل الأرض ملكا للدولة، وبعد أن يثبت المستثمر جدوى المشروع، يتم بيعها له بأسعار السوق الحالية، مشيراً إلى أن هذا الأسلوب من عمليات التخصيص ظل متبعا طيلة 16 عاما،ً دون أى مشاكل أو معوقات أو مخالفة للقوانين المعمول بها بالوزارة.
تكهنات تدورحول نية سليمان تشتيت تحقيقات نيابة الأموال العامة العليا بتقديم هذه الأوراق وتوجيه نظرها إلى ملابسات أخرى تتعلق بالمهندس حسب الله الكفراوى وبكبار رجال الأعمال من العائلة المالكة بالمملكة العربية السعودية - عائلة بن لادن - وكبار رجال الأعمال المصريين المسيطرين على سوق العقارات بمارينا والساحل الشمالى، والذى يستحيل جمعهم فى تحقيق واقعة تخصيص أراضٍ، فضلا عن تكهنات أخرى بأن سليمان بدأ فى إدارة مخطط لوضع نهاية للقضية، متمثل فى الكشف عن عمليات تخصيص الأراضى بوزارة الإسكان فى المناطق المتميزة سواء بمارينا أو بالمدن الجديدة، مثل القاهرة الجديدة والشيخ زايد والسادس من أكتوبر، بحيث يظهر منها أن سليمان ليس الشخص الأول ولا الأخير فى تخصيص الأراضى، إنما هى شبكة كبيرة تضم كبار الشخصيات والكوادر بالحكومة المصرية وتربطهم علاقات بكبار رجال الأعمال المسيطرين على خط الساحل الشمالى، ومن ثم يكون لفريق رجال الأعمال ولفريق الكوادر السابقة فى الحكومة دور قوى فى الضغط، لإغلاق القضية بما لهم من علاقات نافذة، غير أن جميل سعيد المستشار القانونى لسليمان نفى وجود أى خطة للزج باسم حسب الله الكفراوى ورجال الأعمال فى القضية لغلقها، مؤكداً أن القصد الأساسى وراء تقديم الأوراق هو إثبات أن التخصيص هو المبدأ الأساسى المعمول به بوزارة الإسكان، مشيراً إلى أن الأوراق التى قدمها للنيابة لا تفتح النار على الكفراوى، لأنها لم تستهدف انتقادا لنوعية التخصيص والمستفيدين من ورائه، إنما تستهدف الارتكاز على أن التخصيص هو الأساس لجذب المستثمرين والتنمية فى المناطق الجديدة.
وتأتى خطوة إبراهيم سليمان بتقديم أوراق عن عمليات تخصيص الأراضى فى عهد الكفراوى لتزيد القضية سخونة، خاصة أن أطراف القضية فى تشعب وزيادة مستمرة، فالنائب العام المستشار عبدالمجيد محمود أمر بإحالة البلاغ المقدم من الدكتور جمال زهران عضو مجلس الشعب ضد سليمان - والتى انفردت اليوم السابع بنشره العدد الماضى - إلى نيابة الأموال العامة العليا مع ضمه إلى ملف التحقيقات فى القضية رقم 408 لسنة 2009 حصر تحقيق أموال عامة عليا، ومن المنتظر أن يوجه المستشار على الهوارى المحامى العام الأول لنيابة الأموال العامة العليا استدعاء رسميا إلى زهران خلال الأيام القليلة القادمة، للاستماع إلى أقواله فيما جاء بالبلاغ من أن سليمان خصص 557 فدانا بمنطقة متميزة على طريق الواحات - الفيوم بجوار الحديقة الدولية لأحد أصدقائه من رجال الأعمال، ويدعى أحمد جمال الدين رئيس الشركة الذهبية للتنمية والتعمير وصاحب سلسلة محلات كنوز للأنتيكات بالمخالفة للقواعد والاشتراطات المعمول بها بوزارة الإسكان، كما تقدم النائب علاء عبدالمنعم بأوراق جديدة للنيابة تؤكد تورط الوزير السابق فى الموافقة على تخصيص قطع أراضٍ فى يوم واحد، لرجل أعمال وزوجته وأولاده، منهم إبراهيم وجدى كرارة الذى حصل مع شقيقه عماد وأسرتيهما بمن فيهم أبناؤهما القصر على 17 قطعة أرض بالقاهرة الجديدة بخلاف ما حصل عليه كرارة من أراضٍ للاستثمار من قبل، حيث حصل وجدى كرارة على قطعة 80 مترا بالجولف بمساحة حوالى 1200 متر فى 3 فبراير 1999، وحصل على قطعة أرضٍ أخرى بتأشيرة من الوزير السابق بالموافقة فى 20 أبريل 2004، وفى نفس اليوم وافق سليمان على تخصيص قطعة أرضٍ لنجلة إبراهيم وجدى كرارة القاصرة حيث حصلت على قطعة الأرض رقم 28 شمال المشتل بمساحة 725 متراً.
ووسط الحالة الإعلامية التى صاحبت تقديم علاء عبدالمنعم أوراقا ومستندات جديدة للنيابة، كثفت نيابة الأموال العامة العليا تحقيقات موسعة بإشراف المستشار محمد أيوب فى ملف أرض مدينتى،. وفى الوقت الذى فتحت فيه تحقيقات إبراهيم سليمان ملف أرض مدينتى من جديد، والكشف عن حصول هشام طلعت مصطفى على 33 مليون متر مجانا من الحكومة، كشفت المصادر أن شخصيات بارزة حاولت التكتم على هذا الملف وإبعاده عن سير القضية، كما يحاول هشام طلعت مصطفى شخصيا من داخل السجن الاتصال بعدد من الشخصيات لإبعاد أرض مدينتى عن التحقيقات بأى وسيلة حتى لا تتفجر أزمة تعصف بمجموعته العقارية بالكامل.
وقالت المصادر إن هشام قدم عروضا متعددة لشراء الأرض نقدا من الوزير أحمد المغربى إلا أن السعر الذى عرضته مجموعة طلعت مصطفى لم يكن مناسبا للأسعار الحالية فى هذه المنطقة إذ عرض هشام 2.2 مليار، فى حين أن التقدير المبدئى يصل إلى 20 مليار جنيه.
ووسط هذه الملابسات تقدم الدكتور سمير صبرى المحامى بالنقض أول أمس بـ«سى دى» إلى النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، يتضمن تسجيلات لسليمان فى لقاءات تليفزيونية تحتوى على اعترافات رسمية بتدخله لتخصيص أراض لأبنائه، وأنه المالك الحقيقى لأرض الجولف المقيدة باسم ابنه القاصر شريف، كما قدم أوراقا جديدة إلى النائب العام تكشف أن محمد جمال الدين عامر مشترى قصر رشيد، هو ابن خالة حسن درة ويعمل مديراً للاحتياجات بالشركة الهندسية للإنشاءات والتعمير المملوكة لدرة، على عكس ما ذكر سليمان فى برنامج القاهرة اليوم، وهو الأمر الذى يضع سليمان فى حرج شديد، ويضعف من موقفه القانونى أمام نيابة الأموال العامة العليا.