إيمان محمد إمبابى

"ق.ع"!!

الأحد، 18 أبريل 2010 07:38 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قم بالبيع بأعلى سعر، إذن فأنت تاجر ماهر أو رجل أعمال متمرس.. قم بالبيع بلا مبرر ولاعائد.. فأنت"مخصخص" عبقرى!!

بع أراضا زراعية لمن يبنى عليها.. أو بع آثارا مصرية لمن يرسل بها إلى خارج حدود الوطن.. بع أرشيف صحيفتك لصحيفة منافسة.. أو بع ضميرك.. بع أى شىء فقد صار فعل البيع كما فيروس أنفلونزا الخنازير فى الفصل الدراسى الماضى!!

منذ ما يقرب من 20 عاما، بدأت العملية الكبرى للتخلص من تلك الشركات والمؤسسات والمصانع والهيئات التى تحمل رمز "ق.ع".. أى قطاع عام.. ومازالت مستمرة.. وبعد 20 عاما خرج بعض المسئولين يعلنون أن العملية برمتها كانت خاطئة.. وما كان يجب أن تجرى على هذا النحو.. وبين المرحلة التى بدأت فيها علمية البيع الكبرى لتلك الشركات.. والمرحلة التى أدرك الجميع فيها فشل الأمر برمته بشكل منقطع النظير.. بين المرحلتين وقف المصريون فأغرى الأفواه.. يرسمون علامتى استفهام وتعجب كبيرتين.. لماذا تمت عملية البيع هكذا بسرعة؟!

فى تلك الكيانات – التى كانت ضخمة – بدأ كل شىء منظما نموذجيا.. ثم مالبث أن ترهل.. قفزت أعداد العمالة إلى آلاف مؤلفة.. وقفزت إلى مقاعد القيادة عناصر جاهلة لا تملك لا الكفاءة ولا العلم ولا القدرة على قيادة تلك الكيانات.. تعامل الجميع معها رؤساء ومرؤسون بمنطق"الاستحلال" غير المبر.. فسقطت الواحدة تلو الأخرى.. عبر الطريق الأسهل.. بيعها.. لتدرك القائمة الطويلة من العمالة التى تم الاستغناء عنها.. قيمة تلك الكيانات التى كانت تشكل لهم نوعا من الحماية والضمانة.. لم تكن بالنسبة لهم كذلك عندما كانوا يمضون الساعات من الثامنة صباحا إلى الثانية ظهرا فى الكثير من الأشياء إلا العمل!!

وبعد عشرين عاما أدرك الذين تعجلوا علمية البيع الواسعة هذه، أن الأمر من البداية كان خاطئا.. وأنه كانت هناك حلولا أخرى ممكنة للخروج بهذه المؤسسات من النفق المظلم الذى أدخلت فيه عنوة.. إلى المستقبل.. وعندما تتابع كل التقارير أو الدراسات الدولية التى خرجت لتقييم ما أسموه"الخصخصة" فى مصر، لأدركت معنى التصريح الذى خرج به مسئولينا علينا مؤخرا.. العملية كانت خاطئة!!.. فكلها أجمعت على أن ما حدث فى مصر طوال عقدين لا يمكن وصفه بأنه عملية انتقال إلى الاقتصاد الحر..

الأمر نفسه حدث فيما كنا نمتلكه من تراث فنى سينمائى.. البيع السريع لعدد ضخم من الأفلام السينمائية المصرية القديمة، مقابل بضع ملايين من الدولارات.. ليتم إبعاد أصول هذه الروائع خارج حدود الوطن.. ثم ندرك مرة أخرى أن الأمر كان خطأ.. ونبدأ التفكير فى محاولة إعادة شراء هذه الأصول مقابل بضع مليارات من الدولارات!!

التفاصيل المتكررة فى كل عملية بيع تكاد تكون متطابقة.. تبدأ بتحميل المؤسسات بما لا تحتمل، من عمالة ونفقات.. ثم إسنادها لمحدودى القدرات.. ثم يحدث انهيارها السريع الذى يؤدى لطريق واحد بحسب السيناريو المعد مسبقا.. البيع السريع أيضا.. ولا مانع من الاعتراف بعد حين بأن الأمر كان خطأ.. فهو اعتراف يحدث نوعا من الرضا لدى عموم المواطنين.. دونما إلزام بفعل ما مترتب على هذا الاعتراف.. لا ينويه المسئولون، ولا ينتظره المواطنون..

تلك خواطر اتتنى متشابكة وأنا أفكر بحال المؤسسات الصحفية المصرية.. التى يسميها البعض قومية.. ويسميها البعض الآخر حكومية.. إجتاحها منذ 5 أعوام تقريبا طوفان المبهورين.. الذين جثوا على مقاعد القيادة فيها.. فصار تنفسها بطيئا.. لا يدخل رئتيها ما يكفيها من أوكسجين.. ومنذ عام بيعت أصول إحداها.. فتم نثر عمالتها على غيرها من المؤسسات.. وبعده بقليل هبط على مقاليد بعضها الجيل الثالث من ممهدى الطريق لعملية انتقالها إلى الاقتصاد الحر!!.. وقد لا يحدث.. ويجىء هذا اليوم الذى سيخرج علينا فيه نفس المسئولين ليقولوا:"لقد كانت عملية خصخصة الصحف القومية خاطئة"!!

كاتبة صحفية بالأهرام.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة